(مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ) الكلام عند أهل اللغة ينقسم إلى قسمين: خبر، وإنشاء. والخبر هو: ما احتمل الصدق والكذب لذاته. (مَا احْتَمَلَ)، (مَا) يعني: لفظ مركب، أو إن شئت قل: كلام احتمل الصدق، خرج ما لا يحتمل وهو الإنشاء كله الإنشاء بأنواعه الثمانية الأمر، والنهي، والاستفهام، والتمني، والترجي ... إلى آخره هذه كلها لا تحتمل الصدق، يعني: لا يقال لقائلها لصاحبها: صدقت، أو كذبت. وإنما هذا شأن الخبر، إذًا (مَا احْتَمَلَ) خرج ما لم يحتمل من المركبات وهو: الإنشاء. وكذلك كزيد مثلاً زيد لا يحتمل الصدق والكذب، غلام زيد لا يحتمل الصدق والكذب لأنه ليس مركبًا، والكذب هذا مقابل للصدق (لِذَاتِهِ)، يعني: لذات الخبر لذات الكلام. لا لقائله لأنه إذا نُظِرَ لقائله فثَمَّ كلام يحتمل إلا الصدق وهو كلام الله تعالى وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم - وثَمَّ كلام لا يحتمل إلا الكذب كقول مسيلمة: إني رسول الله. هذا لا يحتمل الصدق البتة، وما يخالف الضرورات العقلية لو قال: الكل أصغر من الجزء. نقول: هذا كذب لا يحتمل الصدق البتة. أو قال: الجزء أكبر من الكل. نقول: هذا لا يحتمل إلا الكذب. حينئذٍ (لِذَاتِهِ)، يعني: لذات القول لذات الكلام، لا باعتبار قائله وأما باعتبار القائل فثم أنواع ثلاث: منه ما لا يحتمل إلا الصدق وهو: كلام الله تعالى وكلام رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وما لا يحتمل إلا الكذب كما ذكرنا قول مسيلمة وغيره، وما يحتمل الصدق والكذب وهو غيرهما. كقولك مثلاً: زيد قائم. قال: زيد مسافر. يحتمل أنه صادق ويحتمل أنه كاذب، (مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ لِذَاتِهِ)، إذًا قوله: (مَا). هنا أي: اللفظ شامل لجميع الألفاظ (احْتَمَلَ)، خرج به ما لم يحتمل وهو: الإنشاء. وكذلك زيد لفظ المفرد وغلام زيد، احتمل الصدق والكذب ذكر الصدق ولم يذكر الكذب هذا يسمى اكتفاءً، (لِذَاتِهِ) خرج به ما احتمله لا لذاته بل للازمه لو قال: اسقني. قلنا: هذا إنشاء. لكن يلزم منه خبر، لأنه في قوة قولك: أنا عطشان. أو قوة قولك: أنا أطلب، أو طالب للماء. هذا خبر أو لا أنا طالب للماء؟ خبر، أنا عطشان خبر، إذًا يحتمل الصدق والكذب، لكن لا لذات اسقني وإنما للازمه، فيلزم من كل أمر أن يعبر عنه بماذا؟ بخبر، هذا الخبر يحتمل الصدق والكذب، لكن ليس هو المراد وإنما الحكم هنا منصب على اللفظ نفسه على الذات على الذي ينطق ويلفظ، أما الأمور اللازمة هذه لا التفات لها البتة (جَرَى بَيْنَهُمُ)، يعني: بين المناطقة، (قَضِيَّةً) هذا حال من الضمير في (جَرَى) (وَخَبَرَا)، يعني: يسمى قضية، ويسمى خبرًا. الخبر هذا عبارة النحاة والبيانيين فكل ما احتمل الصدق والكذب لذاته يسمى خبرًا، ويسمى عند المناطقة قضية يسمى قضية لماذا سميت قضية؟ قالوا: هذا مشتق من القضاء، والقضاء هو الحكم فلاشتمالها على الحكم سميت قضية، إذًا لها اسمان عندهم تسمى قضية وتسمى خبرًا، ولكن القضية هو المشهور عندهم في الاستعمال، يقال: هذه قضية كلية وهذه قضية شخصية.

مَا احْتَمَلَ الصِّدْقَ لِذَاتِهِ جَرَى ... بَيْنَهُمُ قَضِيَّةً وَخَبَرَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015