الثالث: اللازم في الخارج فقط، قالوا: هذا كدلالة الغراب على السواد. في العقل لا يلزم أن يكون الغراب أسود قد يكون أبيض، قد يكون أحمر لا مانع لكن في الخارج لا يوجد إلا أسود هذا لازم له، إذا أُطلق لفظ الغراب انصرف من حيث اللون إلى السواد، وهذا لازم له لا ينفك عنه، لكن هل هو لازم عقلي؟ الجواب: لا، الثالث هذا لا يسمى دلالة التزام عند المناطقة الذي لا وجود للذهن من حيث اللزوم وعدمه هذا لا يسمى دلالة التزام عند المناطقة، وإنما يختص بالأول والثاني لا بد أن يكون لازمًا في الذهن سواءٌ كان لازمًا في الخارج كالزوجية للأربعة أو ليس بلازم في الخارج كالبصر للعمى، ولذلك قال: (إِنْ بِعَقْلٍ التُزِمْ). دلالة الالتزام ما هي؟ وما لزم فهو التزام، متى؟ (إِنْ بِعَقْلٍ التُزِمْ)، يعني: إن التُزِم هذا اللازم في العقل، الباء هنا بمعنى: في، يعني: لا بد أن يكون اللازم ذِهنيًّا بقطع النظر عن كونه موجودًا في الخارج أو لا، (إِنْ بِعَقْلٍ) (إِنْ) هذا حرف شرط حذف جوابه، وبعقل، يعني: العقل المراد به الذهن القوة المدركة التي يعبر عنها بالنفس كما ذكرناه في الأمس، (إِنْ بِعَقْلٍ) يعني: في عقل (التُزِمْ)، يعني: ذلك اللازم. إذًا دلالة الالتزام نقول: هي دلالة اللفظ على معنًى خارجٍ عن مسماه لازم له لُزومًا ذهنيًّا سواءٌ وجد هذا اللازم في الخارج أو لا، إن لم يكن اللازم لزومًا ذهنيًّا بل كان في الخارج فقط فلا يسمى دلالة التزام فدخل في هذا القيد (إِنْ بِعَقْلٍ التُزِمْ) نوعان من اللزوم. إذًا هذه أنواع الدلالة الوضعية ثلاثة أقسام: دلالة المطابقة، ودلالة التضمن، ودلالة الالتزام. وهذه تطبق حتى على أسماء الربِّ جلَّ وعلا: كالعليم، والرحمن والرحيم إلى آخره تدلُّ بدلالة المطابقة على الذات مع الوصف، فإذا أريد الذات مع صفة العلم من لفظ العليم فهي دلالة مطابقة، إن أريد به الذات فقط دون الصفة أو الصفة دون الذات حينئذٍ نقول: هذه دلالة تضمن، إن أريد دلالة العليم على الحياة ونحوها من الصفات حينئذٍ نقول: هذه دلالة التزام. واضح هذا.
ثم قال:
(فَصْلٌ فِي مَبَاحِثِ الأَلْفَاظِ)، يعني: في المسائل التي يبحث فيها عن الألفاظ من حيث الإفراد، والتركيب ونحو ذلك والجزئية، والكلية. والمباحث جمع مبحث اسم مكان بمعنى: بحث، يقال: مبحث كذا، أيْ: مكان بيانه، والمكان هنا كناية عن المسائل إذًا: (فِي مَبَاحِثِ الأَلْفَاظِ)، يعني: في مسائل الألفاظ. هو يريد بهذا الفصل أن يصل إلى البيتين الأخيرين وكل هذه الأبيات التي تسبقها إنما هي مقدمة هو يريد الكليات الخمس، لكن لا يمكن أن تفهم الكليات الخمس إلا إذا عرفت التقسيم الذي سيذكره لأن الكليات الخمس هي مبادئ التصورات، قلنا فيما سبق: أن أنواع العلوم محصورة في التصورات، والتصديقات وكل منهما له مبادئ، وله مقاصد. مبادئ التصورات هي الكليات الخمس التي سيذكرها، ومقاصد التصورات هي المعرفات. وهي مادة المعرفات مادتها الكليات الخمس كما سيأتي.
(فَصْلٌ فِي مَبَاحِثِ الأَلْفَاظِ)
مُسْتَعْمَلُ الأَلفَاظِ حَيْثُ يُوجَدُ ... إِمَّا مُرَكَّبٌ وَإِمَّا مُفْرَدُ