وغير اللفظي إما دالٌّ بالعقل كدلالة التغير على الحدوث كما ذكرناه بالأمس، دلالة التغير على الحدوث كونه لم يكن ثم كان. نقول: هذا دلالة عقلية أو بالعادة التي تسمى: الدلالة الطبيعية، ويعبر عنها بالدلالة العادية، كدلالة المطر على النبات إذا وجد المطر حينئذٍ عادةً أنه يوجد النبات، ولو لم يوجد بالذات حينئذٍ نقول: المطر وجوده دالٌ على وجود النبات هذا هو المكان وليس بلازمٍ ولكنه معتاد، حينئذٍ صارت هذه الدلالة دلالة وضعية، والحمرة على الخجل، إذا خجل الإنسان وكان عنده حياء يحمر وجهه أليس كذلك؟ حينئذٍ نقول: هذه دلالة لكنها طبيعية ليس فيها لفظ، والصفرة على الوجل الخوف، حينئذٍ: اصفر وجهه نقول: هذه دلالة لكنها دلالة غير لفظية. إذًا هذه دلالة طبيعية، أو بالوضع، يعني: التعارف وضعه أو العرف أو الاصطلاح الخاص بين الناس. قالوا: كدلالة الإشارة باليد مثلاً على نعم، أو لا، أو دلالة ... نقول: هذه دلالة غير لفظية ماذا تفهم أنت؟ تفهم بالإشارة قم، إذا أشار من سفلٍ إلى علوٍ أو من علوٍ إلى سفلٍ، بمعنى أجلس، نقول: هذه الدال. الإشارة دالّ والمفهوم منه الأمر بالجلوس أو بالقيام، حينئذٍ نقول: هذه دلالة لكنها دلالة غير لفظية، وهذه الثلاثة الأنواع لا بحث للمناطقة فيها البتة وإنما يبحثون في الدالّ اللفظي في نوعٍ واحدٍ منها. واللفظ يعني: الدالّ باللفظ. إمَّا دالٌ بالعقلِ كدلالة اللفظ على وجود اللافظ من وراء جدار قالوا: اللفظ قد يدلُّ دلالة عقلية، متى؟ إذا سمعت شخص يتكلم من وراء جدار مثلاً تعلم أنه حيّ أليس كذلك؟ لماذا؟ ما الذي دلَّك على أنه حي ليس بميت؟ كونه تلفظ كونه تكلم حينئذٍ نقول: هذه دلالة لفظية، دلّت بالعقل على حياته على وجوده فهو حيٌّ ليس بميت أو بالعادة، يعني: لفظٌ وضع في العادة ليدلَّ على شيءٍ آخر: أُحْ. قالوا: هذه دلالة على الوجع الصمتي، حينئذٍ: هذا اللفظ أُحْ بضم الهمزة وإسكان الحاء يدلُّ على وجع الصابرين، أو بالوضع كدلالة الأسد على الحيوان المفترس. هذه ثلاثة أنواع للدالّ اللفظي من باب العقل كدلالة اللفظ على حياة من وراء جدار - الذي تكلم -، أو بالعادة الوضعية كدلالة أُحْ على وجع الصبر، أو دلالة لفظية كدلالة الأسد على الحيوان المفترس. هذه ثلاثة أنواع المناطقة يبحثون في النوع الثالث فقط، وأمَّا الدلالة اللفظية العقلية، والدلالة اللفظية الطبيعية، والعادية لا بحث للمناطقة فيها. حينئذٍ: هذا الفصل عقده لبيان هذا النوع: الدلالة الوضعية. لذلك قال: (فِي أَنْوَاعِ الدَّلاَلَةِ الوَضْعِيَّةِ)، أيْ: وضعية، الدلالة الوضعية من حيث هي قسمان: دلالةٌ وضعية عقلية، كما ذكرنا في المثال السابق: دلالة التغيُر على الحدوث. أو دلالة وضعية لفظية: كدلالة الأسد على الحيوان المفترس، لكن أراد لهذا الفصل الدلالة الوضعية اللفظية ولذلك قال: (دلالَةُ اللَّفْظِ) في البيت سنقيد الترجمة لما ذكره في البيت، ونقيد البيت دلالة اللفظ هذه مطلق يشمل ثلاثة أنواع، نقيده بالترجمة فكلٌ منهما نجعله قيدًا للآخر.
(فَصْلٌ فِي أَنْوَاعِ الدَّلاَلَةِ الوَضْعِيَّةِ)
قال رحمه الله: