إذًا صار العلم بعد ما عرفنا ما سبق صار أنواع أو العلوم محصورة في شيئين اثنين: تصورات، وتصديقات. وكلٌّ منهما إما نظري، أو ضروري، طيب بعض هذه التصورات وبعض هذه التصديقات معلوم عندنا معلومة، وبعض هذه التصورات وبعض هذه التصديقات مجهولة، فكيف نصل إلى المجهولات من التصورات والتصديقات؟ هذا الذي يسمى بالنظر وسيأتي بحثه معنا، لكن ثَمَّ طريق يوصل إلى التصورات، وثَمَّ طريق يوصل إلى التصديقات، يعني: المجهول من النوعين، أما المعلوم هذا معلوم كاسمه، حينئذٍ التصور المجهول كيف نصل إليه؟ نصل إليه بما يسمى (بِقَوْلٍ شَارِحٍ) وهو: التعريف. ما الإنسان؟ ما يعرف الإنسان فتقول: حيوانٌ ناطق. جئت بالتعريف، إذًا وصلنا إلى إدراك المفرد الذي هو تصور النظري، أما الضروري هذا واضح، النظري بماذا؟ بالحد بالتعريف الذي يسمى (بِقَوْلٍ شَارِحٍ)، كيف نصل إلى التصديق النظري المجهول؟ نصل إليه بالقياس فصار محصورًا في ماذا؟ تصورات وتصديقات، فحينئذٍ كيف نصل بالتصورات المعلومة والتصديقات المعلومة التي تكون كائنة في النفس إلى المجهول من النوعين؟ التصورات نصل إليها بقول الشارح، والتصديقات نصل إليه بالقياس الذي عبر عنه بالحجة، ولكل منهما مبادئ وغاية سيأتي بيانه.
وَمَا بِهِ إِلَى تَصَوُّرٍ وُصِلْ ... يُدْعَى بِقَوْلٍ شَارِحٍ فَلْتَبْتَهِلْ
(وَمَا)، أي: الذي. (بِهِ) يعود إلى ما الضمير هنا (إِلَى تَصَوُّرٍ)، هذا متعلق بقوله: (وُصِلْ). بمعنى توصل، الذي وصل به إلى تصورٍ (يُدْعَى)، يعني: يسمى. (بِقَوْلٍ شَارِحٍ) (بِقَوْلٍ)، يعني: مقول. (شَارِحٍ) قول مرادف للمركب عندهم هناك، والشارح لأنه يشرح الماهية يكشف الماهية، ولذلك يعبر إذا ذكرت الحدود إنما يؤتى بالحدود لماذا؟ لكشف وإيضاح الماهية، ما معنى الصلاة؟ ما تدري معنى الصلاة فتقول: الصلاة هي: التعبد بأقوال، وأفعال ... إلى آخره، شرحت له معنى الصلاة كشف لك معنى الصلاة، التعبد بأقوال وأفعال إلى آخره هذا قولٌ مركب، يعني: من المبادئ الأول قال: الكليات الخمسة - كما سيأتي في محله -.
(يُدْعَى بِقَوْلٍ شَارِحٍ فَلْتَبْتَهِلْ) الجملة هنا لإتمام البيت فقط، يعني: فلتجتهد في البحث عما تحتاج إليه من ذاتك، (وَمَا لِتَصْدِيقٍ بِهِ تُوُصِّلاَ)، يعني: والذي توصل. الألف هذه للإطلاق (لِتَصْدِيقٍ بِهِ) الضمير يعود إلى ما، (بِحُجَّةٍ يُعْرَفُ)، يعني: يسمى بحجةٍ. وهو: القياس المنطقي بأنواعه. والحجة سميت حجة لأن من تَمَسَّكَ به حَجَّ خصمه إن غلبه (عِنْدَ العُقَلاَ) (العُقَلاَ) أل هذه للعهد، والمعهود أرباب هذا الفن الذي مر في أوله، إذًا التصورات لها مبادئ ولها غايات، المبادئ هي: القضايا أو الكليات الخمس، والغاية أو المنتهى هو: الحدود. والقياس له مبادئ وله غاية، المبادئ هي: القضايا وأحكامها، والغاية هي: الحجة، أو القياس بأنواعه. هذه كلها ستبحث في النظم سيأتي معنا.