إذًا أنواع العلم أربعة: تصورٌ ضروري، تصورٌ نظري، تصديقٌ ضروري، تصديقٌ نظري. ولذلك قال: (أنْوَاعِ العِلْمِ الحَادِثِ). قالوا: هذا احتراز عن علم الله تعالى فلا يقال فيه لا يوصف علم الرب جل وعلا بالتصور، أو التصديق، أو ضروري، أو نحو ذلك لأن الصفات مبناه على السمع فما كان في نقص في صفة البشر هذا لا يوصف به الرب جل وعلا فينفى، وأما ما لا لم يكن كذلك حينئذٍ يتوقف في اللفظ، وأما المعنى فيستفسر فيه.

(فَصْلٌ فِي أنْوَاعِ العِلْمِ الحَادِثِ) لكن كلمة (الحَادِثِ) هذه يذكرها كثير من المتأخرين بكونها أو ترادف المخلوق، وليس الأمر كذلك، وإنما الحادث نوعان: قد يكون مخلوقًا، وقد لا يكون. ولذلك العالم متغير وكلٌ متغير حادث يعني: مخلوق في العالم حادث هكذا قالوا، هذا الدليل هو الذي نفى به الأشاعرة الصفات الفعلية عن الرب جل وعلا، لأن الحادث مرادفٌ للمخلوق، كل شيءٍ لم يكن ثم كان فهو مخلوق، إذًا لم يكن نازلاً ثم نزل الرب جل وعلا لا يوصف به لأنه مخلوق، لم يكن مستويًا ثم استوى لا يوصف به، لم يكن ضاحكًا ثم ضحك، لم يعجب ثم عجب، كل هذه تنفى بماذا؟ بكونها حادثة لم تكن وهذا مرادفٌ للمخلوق، وليس الأمر كذلك، إنما الصحيح كما قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى وغيره: أن الحادث نوعان: حادثٌ مرادفٌ للمخلوق، وحادثٌ ليس الأمر فيه أن يكون مرادفًا للمخلوق، يعني: شيءٌ لم يكن ثم كان، قد يكون مخلوقًا، وقد لا يكون، أنت لم تكن ثم كنت مخلوق لم ينزل الرب جل وعلا الآن نعتقد أن الله تعالى ليس في السماء الدنيا لكنه في الثلث الأخير ينزل لم يكن ثم كان مخلوق؟ لا، إذًا لا يلزم من كونه حادثًا أن يكون مخلوقًا، ولذلك نقول في صفة الكلام مثلاً بعض الصفات الفعلية قديمة النوع ماذا نقول؟ قديمة النوع، أجلية النوع، حادثة الآحاد، نصف الرب جل وعلا بكونه متكلمًا لكن متكلم بماذا؟ هو متصفٌ بصفة الكلام، لكن آحاد الكلام هذه حادثة لم يكن متكلمًا في الأزل في القدم بالقرآن ثم تكلم، لم يكن ينزل آخر كل ليلة في الثلث الأخير هل من تائبٍ؟ هل؟ هَل؟ هذا لم يكن بالأمس، ثم كان اليوم، إذًا حدث بعد أن لم يكن، على كلٍّ المراد بقولهم: (الحَادِثِ). يفسرونه في الشروح هناك بكونه مخلوقًا لا بد من التفريق.

إِدْرَاكُ مُفْرَدٍ تَصَوُّرًا عُلِمْ ... وَدَرْكُ نِسْبَةٍ بِتَصْدِيقٍ وُسِمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015