قالوا: فضله عام النفع. هكذا قالوا، لكن هذا فيه نظر عام النفع يعني: نفعه عام. نحيط بأنه في فهم الشريعة كما ذكرنا سابقًا هذا باطل لا يمكن أن يجعل فهم الشريعة مرتبطًا بعلم المنطق لأنه علم دخيل ليس من علوم أهل الإسلام، حينئذٍ ربط الشريعة به نقول: هذا باطل، وإن كان المراد به أنه ينتفع به في تصحيح بعض المعلومات عند الشخص لأن فيه شيء من ما هو حق، قد أشار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في رده على المنطقيين أن كثير من المسائل التي هي صحيحة عند المناطقة مرفوضة بالفطر، وعليه إذا عرف بعض تلك المصطلحات حين ذلك لا حرج في ذلك، وكذلك يستفيد منهم في فهم ما يذكره الشراح في العلوم المختلفة، إذًا فضله عام النفع ويقيد بما ذكرناه، مسائله ما سيأتي بحثه في هذه المنظومة.
(فَالمَنْطِقُ لِلْجَنَانِ)، يعني: للقلب. والمراد به القوة الفكرية. (نِسْبَتُهُ)، يعني: فائدته. أراد أن يبين فائدة المنطق، فالمنطق نسبته للجنان للْجنان متعلق بقوله: نسبته. يعني: فائدته. والضمير في نسبته يعود إلى المنطق، (كَالنَّحْوِ لِلِّسَانِ)، يعني: كنسبة النحو للسان، النحو ما فائدته؟ يعصم اللسان عن الوقوع في الخطأ، إذا يتعلم النحو ولو تكلم الإنسان هكذا دون علم في علم النحو هل كل كلامه يقع صوابًا؟ لا، إذًا منه ما هو صواب ومنه ما هو خطأ، متى يكون صوابًا؟ إذا أجرى قواعد وأصول النحاة على كلامه، شبه علم المنطق بعلم النحو، الفكر قد يكون صوابًا وقد يكون خطئًا متى يكون صوابًا؟ إذا أجريت هذا الفن على قواعد وأصول المناطقة (كَالنَّحْوِ)، يعني: كنسبة النحو (لِلِّسَانِ).
(فَيَعْصِمُ الأَفْكَارَ عَنْ غَيِّ الخَطَا) (فَيَعْصِمُ) الفاء هذه للتفريع مفرع على التشبيه المذكور لأنه شبه المنطق بالنحو (فَيَعْصِمُ)، أي: يحفظ. (الأَفْكَارَ) جمع فكر، والمراد به الأنظار كما سبق (عَنْ غَيِّ الخَطَا)، يعني: عن وقوع غي، والغي الضلال ضد الهدى لكنه عام سواء كان عن عمد أو عن سهو، والخطأ ضد الصواب وهو يكون عن سهو، حينئذٍ يكون من إضافة العام إلى الخاص (عَنْ غَيِّ الخَطَا) غي مضاف والخطأ مضاف إليه، والغي هذا سواء كان عن عمد أو عن سهو، والخطأ لا يكون إلا عن سهو، إذًا يعصم الأفكار عن الوقوع في الخطأ والضلال، (وَعَنْ دَقِيقِ الفَهْمِ يَكْشِفُ الغِطَا) هذه الفائدة الثانية عن (دَقِيقِ الفَهْمِ) الفهم هنا مصدر بمعنى اسم المفعول أي: المفهوم. وهو من إضافة ماذا؟ الصفة إلى الموصوف، يعني: عن المفهوم الدقيق (يَكْشِفُ الغِطَا) يزيل الغطا ينكشف، فالمنطق من استعمال القواعد التي ذكرها المناطقة يسهل به إلى المعاني الدقيقة فيكون له غوث في المعاني، وهذا قد يستفيد منه كذلك طالب العلم في فهم مثل هذه المعاني (وَعَنْ دَقِيقِ الفَهْمِ)، أي: المفهوم. دقيق هذا ضد الكذب، والفهم المراد به المفهوم وأشار به إلى المسائل الصعبة المفهوم الدقيق، لأن المفهوم بمعنى المدلول الفهم هو: إدراك معنى الكلام. (يَكْشِفُ) ذلك العلم ويظهر (الغِطَا) بكسر الغين وهو: الستر.