(وَخَامِسٌ سَفْسَطَةٌ)، (وَخَامِسٌ) أي خامسها أخرها، لماذا؟ لأنها أضعف الأقسام ولا تفيد علمًا ولا ظنًّا، السفسطة أشبه بالكذب، السفسطة هي في الأصل الحكمة المموهة هكذا عندهم، الحكمة المموهة، وهي قياس مؤلف من مقدمات وهمية كاذبة، أو شبيهة بالحق وليست به، مقدمات كاذبة واضحة صريحة أو شبيهة بالحق وليست به أو شبيهة بالمشهورة وليست بها، فالأول كاذبة الحجر ميت، وكل ميت جماد، يُنتج الحجر جماد. الحجر ميت هذا كذب، والثاني كأن تشير إلى صورة على حائط صورة فرس مثلاً فتقول هذا فرس، وكل فرس صهال، هذا صهال، ما عندنا فرس عندنا صورة فرس. والثالث كأن تقول في شخص يتكلم بالعلم على غير هدى هذا يتكلم بألفاظ العلم، وكل من كان كذلك فهو عالم، هذا غلط ليس بصحيح، أليس كذلك؟ هذه نقول: نوعها شبيهة بالمشهورة وليست بها، شخص يتكلم بعلم، يعني بألفاظ العلم دون أن يكون من أهل العلم، حينئذ نقول: هذا يتكلم بألفاظ العلم، وكل من تكلم بألفاظ العلم فهو عالم، لا، ليس كل من تكلم بألفاظ العلم فهو عالم. (نِلْتَ الأَمَلْ) أي يعطيك ما أَمَّلْتَهُ من تحصيل العلوم.

أَجَلُّهَا الْبُرْهَانُ مَا أُلِّفَ مِنْ ... مُقَدِّمَاتٍ بِاليَقِيْنِ تَقْتَرِنْ

مِنْ أَوَّلِيَّاتٍ مُشَاهَدَاتِ ... مُجَرَّبَاتٍ مُتَوَاتِرَاتِ

وَحَدَسِيَّاتٍ وَمَحْسُوسَاتِ ... فَتِلْكَ جُمْلَةُ اليَقِيْنِيَّاتِ

(أَجَلُّهَا) أي أجل أقسام الحجة (الْبُرْهَانُ) أقواها (الْبُرْهَانُ)، ثم الجدل ثم الخطابة ثم الشعر ثم السفسطة على هذا الترتيب عندهم، أجلها البرهان فالجدل فالخطابة، الجدل لماذا؟ لأن مقدماته قريبة من اليقين، مقدمات الجدل قريبة من اليقين، ثم الخطابة لأنها مظنونة، ثم الشعر لانفعال النفس به، فالسفسطة كما سبق أشبه بالكذب،

أَجَلُّهَا الْبُرْهَانُ مَا أُلِّفَ مِنْ ... مُقَدِّمَاتٍ بِاليَقِيْنِ تَقْتَرِنْ

مقدمات تقترن باليقين، يعني مقدماته لا تكون إلا يقينية (مَا أُلِّفَ) (أَجَلُّهَا الْبُرْهَانُ)، (مَا) هذا عطف بيان على (الْبُرْهَانُ)، أو خبر لمحذوف هو (مَا أُلِّفَ) أي ركب (مِنْ مُقَدِّمَاتٍ بِاليَقِيْنِ تَقْتَرِنْ)، (بِاليَقِيْنِ) هذا متعلق بقوله: (تَقْتَرِنْ) أي يقينية، واليقين لغة العلم الذي لا شك معه، والمراد هنا يقينية حقيقة أو حكمًا، حقيقة بأن تكون يقينية أو حكمًا وهي النظريات التي تنتهي إلى الضروريات حينئذ يُشترط في البرهان أن يكون برهانًا يكون مؤلفًا من مقدمات يقينية أو نظرية لكنها تنتهي إلى ضروريات، فلا يُسمى برهانًا إلا إذا كانت مقدمتاه قطعيتين، إذًا (أَجَلُّهَا الْبُرْهَانُ مَا أُلِّفَ) ما ركب، قياس رُكِّب من مقدمات ضرورية أو نظرية تنتهي إلى ضرورة (بِاليَقِيْنِ تَقْتَرِنْ)، (بِاليَقِيْنِ) خرجت به باقي أقسام الحجة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015