أراد أن يذكر حد المنطق أو فائدة المنطق (وَبَعْدُ)، يعني: بعد ما ذكر من البسملة والحمدلة والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - والآل والصحب، (فَالمَنْطِقُ) (وَبَعْدُ)، هذا ظرف مبهم لا يفهم معناه إلا بإضافة لغيره، ولذلك يعبر عنه عند أرباب التصنيف لأنه يؤتى به للانتقال من أسلوب إلى أسلوب الآخر، والمراد بالأسلوب هنا ليس المراد به أسلوب التمني والاستفهام لا، المراد أسلوب المقدمة إلى نوع آخر من المقدمة، أو من أسلوب الحمد والثناء ونحو ذلك إلى الشروع في المقصور من أسلوب إلى أسلوب آخر (وَبَعْدُ)، وهي السنة لكن بلفظها أما بعد وأما بعد هذه فيها تجوز (فَالمَنْطِقُ)، يعني: العلم المخصوص المنطق في أصله مصدر ميمي مَفْعِل يطلق بالاشتراك على ثلاثة أمور:
الأول: الإدراكات الكلية، يعني: الكثيرة. الإدراكات الكلية.
الثاني: القوة العاقلة التي هي محل صدور تلك الإدراكات.
الثالث: النطق الذي هو التلفظ.
وكلها مراده هنا، الإدراكات الكثيرة، القوة العاقلة التي هي محل صدور تلك الإدراكات، ثالثًا: النطق الذي هو: التلفظ. وهذا الفن يكثر فيه الإدراك وبه تتقوى القوى العاقلة، وبه تكون القدرة على النطق فلما كان له ارتباط في كل من هذه المعاني الثلاث سمي بذلك، إذًا لماذا سمي علم المنطق منطقًا؟ نقول: لأنه في اللغة يطلق على هذه المعاني الثلاث، ولما كانت هذه مترابطة وموجودة في هذا الفن حينئذٍ سمي منطقًا لأن بحثهم في العلم كما سيأتي تصورات وتصديقات والتصور والتصديق قسمان للعلم وما هو العلم؟ هو: إدراك. إذًا بحثهم أصله في ماذا؟ في الإدراكات كلية وهي كثيرة، ثم هذه الإدراكات لاستعمالها تقوي النفس العاقلة ثم لا بد من التعبير، إذا توصل إلى نتيجة نَتيجة بحث فكري عقلي نظري حينئذٍ لا بد أن يعرف كيف يدخله إلى غيره؟ لا بد أن يتلفظ، إذًا هذه كلها ثلاث بسببها سمي المنطق منطقًا.
والمنطق في الاصطلاح عندهم: آلة قانونية تعصم مراعاتها الذهن عن الخطأ في الذكر، آلة قانونية، آلة هي: الواسطة بين الفاعل والمنفعل به. قالوا: كالمنشار. المنشار بالنسبة للنجار آلة هو: فاعل. والمنفعل هو: قطع الخشب. والآلة وسيلة بين الفاعل والمنفعل، ما هو الفاعل؟ النجار، والمنفعل؟ هو: قطع الخشب. حينئذٍ صار المنشار وسيلة بين الفاعل والمنفعل، إذًا المنطق وسيلة بين الفاعل الذي هو مريد الإدراك، وبين المنفعل الذي هو الوصول إلى التصورات والتصديقات، كما سيأتي، إذًا العلم هذا آلة لكنه ليس آلة موصلة لعلوم الشريعة كما ذكرناه سابقًا، فلا تتداخل الألفاظ.