ثالثًا: ابن مالك رحمه الله تعالى حاول أن يَنْظِمَ الشذوذات يعني التي خرجت عن القاعدة وهذه لا يحتاجها طالب العلم بخلاف نظم ((المقصود)) فإنما عنى بالقواعد التي يحتاج إليها في الفن وتخدم الطالب المبتدئ، وإن كان في بعض المواضيع فيه شيء من الصعوبة - أعني نظم ((المقصود)) - إلا أنه باعتبار اللامية يعتبر أجود من حيث السبك ومن حيث السهولة ومن حيث الوضوح.

طالب العلم عندما يعتني بعلوم الآلة بما يكون على جادة أهل العلم بمعنى أن يكون هذا الكتاب معتمد عند أرباب الفن، ونظم ((المقصود)) كذلك إذ هو نظم للمقصود وهو كتاب معتمد كما سمعتم.

وثانيًا: قد يكون الكتاب مشهورًا إلا أن غيره أولى منه بالاعتماد والاعتكاف، وهذا موجود في كتب أهل العلم قد يكون الكتاب مشهورًا وهو الذي عليه الجادة من حيث الحفظ والتدريس والشروح وغيره أولى منه، واشتهار الكتب وما يحفظ وما يدرس هذا أشبه ما يكون بالشيء النسبي الذي يختلف من زمان إلى زمان، فقد يشتهر في وقت كتاب ما ثم يموت ذكر ذلك الكتاب ويشتهر كتاب آخر، وهذه سنة الله تعالى في خلقه، ولذلك لو جئنا في المقاصد كتاب ((المقنع)) للموفق أبي محمد رحمه الله تعالى كان قبل ((زاد المستقنع)) هو العمدة وعليه الجادة، ولما ألف الحجاوي رحمه الله تعالى ((الزاد)) واختصره حينئذٍ صار العمدة على ((الزاد)) وصار ((المقنع)) نسيًا منسيًا من حيث الاعتماد والحفظ وأن يكون أصلاً عند طالب العلم.

قبل ((المقنع)) كان الخرقي ((مختصر الخرقي)) لَمَّا ألف ابن قدامة التدرج في الفقه الحنبلي ((عمدة الفقه))، ثم ((المقنع))، ثم ((الكافي)) حينئذٍ لم يكن لمختصر الخرقي ذكر البتة إلا زماننا هذا وإنما يعتبر مرجعًا في فهم كلام الإمام أحمد رحمه الله تعالى باعتبار هذا العلم الذي هو الخرقي رحمه الله تعالى.

فأقول: إن اشتهار الكتب في زمن دون زمن هذا أمر نسبي، ثم اعلم يا طالب العلم أن الكتب اختيار الأسماء والمصنفات والمنظومات والمنثورات هذا ليس بأمر توقيفي يعني: المخالفة فيه ليست مخالفة لحكم شرعي، فما من فن من الفنون في الشريعة سواء كانت من المقاصد أو من علوم الآلة إلا وفيها من المصنفات الكثير والكثير، سواء كانت ما يخدم المبتدئ أو المتوسط أو المنتهي، فإذا اختار من يُدَرِّس أو من يتعلم كتابًا ما وإن لم يكن مشهورًا حينئذٍ نقول: لا، لا يثرب عليه ولا يجعل ذلك مخالفة للمنهج الذي صار عليه أهل العلم، أقول ذلك لأن البعض قد انتقد ما أطرحه من حيث الاعتماد على نظم ((المقصود)) دون ((اللامية))، وإن كان الإمام مالك رحمه الله تعالى يعتبر كتابه في النحو الذي هو ((الألفية)) هو المعتمد، لكن لا يلزم أن يكون ذلك مطردًا في جميع الفنون، فاختير كتابه ((الألفية)) ولكن في ((اللامية)) هذه لا تخدم طالب العلم الشرعي، فحينئذٍ طالب العلم الشرعي يعتمد ما يخدمه في فن الشريعة وإذا كان كذلك فحينئذٍ على القاعدة العامة التي ذكرناها مرارًا أن الطالب في باب علوم الآلة يختار المنظومات وتكون هذه المنظومات سهلة واضحة بينة ويمكن حفظها، وما يكون فيه شيء من التعقيد فالأصل فيه أنه يجتنب ويترك ولو كان لإمام مشهور لماذا؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015