[قَدْ خَلاَ]: (قد) للتحقيق، و (خلا): فعل ماضٍ، وهذا من باب التتميم، أشار به لعلة تسمية الفعل الماضي، لماذا سمي ماضيا؟ لأنه خلا، بمعنى أن معناه باعتبار زمن التكلم قد انقضى وانقطع، وإذا قلت مثلا: (قامَ زيدٌ) = (قامَ) هذا فعل ماضٍ دل على حدث وقع قبل زمن التكلم، هل نحكم عليه بأنه انقطع؟ أو إلى زمن التكلم ما زال موجودا؟ بعضهم ينازع في هذا والصحيح أنه انقطع، بما أن قيام زيد قد انتهى بالزمن الماضي _حصل ووقع ثم انتهى وانقطع_، ولذلك قالوا: [قَدْ خَلاَ] هذه علة تسميته ماضيا، لمضي معناه حالة التكلم بحسب الوضع يعني باعتبار الزمان المستفاد، ولذلك سمي ماضيا، هذا النوع الأول والفعل الماضي، وعرفنا حقيقته وعلامته فيما سبق.
[وَفِعْلُ أَمْرٍ]: (فعل أمر) مضاف ومضاف إليه، وهذا يقال فيه: إنه من إضافة الدال للمدلول, يعني فعل يدل على الأمر، والمراد بالأمر هنا الطلب، يدل على الطلب, (فعل أمر) بإضافة الدال إلى المدلول، وحقيقته: "ما دل على حدث يطلب حصوله بعد زمان التكلم", "حدث يطلب حصوله بعد زمان التكلم", يعني يكون معدوما, (قم) هذا فعل أمر، دل على ماذا؟ على الطلب, طلب ماذا؟ طلب إيقاع القيام في الزمن المستقبل, هذا هو الأصل والغالب, {يَا أيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ}، (اتق) هذا فعل أمر أو لا؟ فعل أمر، هل هو مثل (قم)؟ قطعا لا، (اتق) التقوى حاصلة، إذن ماذا دل (اتق) على أي شيء؟ نقول دل على مداومة التقوى، إذن فعل الأمر يدل على شيء، هذا الخلاصة، يدلك على شيئين:
وجود ما لم يكن أو إيقاع ما لم يكن (هذا أولا)، (قم) لم يقم فقام، (قم) طلبت منه القيام، أو دوام ما حصل، يعني وقع الشيء وتطلب المداومة، إذن المداومة معدومة، والمطلوب بصيغة (افْعَلْ) هو المعدوم، سواء كان الحدث لم يكن ثم كان أو المداومة وهي معدومة ليس الحدث، فقوله: {اتق الله} المأمور به هنا إيجاد المداومة، ليس تحصيل التقوى لأنها حاصلة قطعا، حينئذ نقول: دلالة صيغة (افْعَلْ) تدل على شيئين: [أولا]: حصول ما لم يحصل، شيء معدوم، الحدث نفسه معدوم ثم طلبته فقلت (قم، أو اكتب، أو كُلْ، أو اشرب، أو نحو ذلك) فالأصل معدوم، أو أنه موجود، ولذلك الناس تقول: (كُلْ)، (كُلْ) وهو يأكل، يعني دُمْ عَلَى أو وَاصِل الأكْلَ، كذلك (اتق الله) يعني (دُمْ، وداوم على هذه التقوى)، {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا} وصَفَهُم بالإيمان أولا، يعني حصل الإيمان، إذن ما الفائدة من قوله (آمِنُوا) أي داوموا على الإيمان.
إذن فعل الأمر يدل على طلب، إما طلب إيقاع الحدث الذي لم يكن، أو يكون الحدث قد وقع ويطالب بالمداومة، وكل منهما معدوم, لأن المداومة في المستقبل وهي معدومة لم تقع، "ما دلّ على حدث يطلب حصوله بعد زمان التكلم".