بحثنا في النحو وهو وسيلة بل من أعظم الوسائل لفهم الشريعة, الشريعة موقوفة على فهم, فهمها موقوف على فهم لسان العرب، لا يمكن أن يكون ثمة فهم للكتاب والسنة إلّا بفهم لسان العرب، ولسان العرب المراد به (لغة العرب)، ولغة العرب أنواع؛ لكن الذي يحتاجه طالب العلم من حيث الفهم أربعة علوم: (النحو، والصرف، والبيان، وفقه اللغة)، فقه اللغة يعني: "معرفة الألفاظ ومعانيها ودلالاتها" هذه إنما تعرف بالنظر في المعاجم، وممارسة كتب التفسير، وما ذكره أهل العلم عند كلّ لفظة من ألفاظ القرآن أو من ألفاظ السنة، والنحو أهمها وأبوها (كما يقول بعض المحشّين)، ثم تأتي مرتبة الصرف، ثم يأتي بعد ذلك علم المعاني، فبهذه العلوم حينئذ ينتظم لطالب العلم أو تكون له القاعدة في علم أصول الفقه؛ إذ مبناه على لسان العرب، وإذا حصلت له القاعدة في أصول الفقه مع هذه العلوم الثلاثة= حينئذ صحّ وجاز أن ينظر في الكتاب والسنة نظر مجتهد، بمعنى أنه لا يقلد أحدا، وإنما ينظر فيه نظر استقلال مع الاستعانة بمفهوم أهل العلم من المتقدمين والمتأخرين، إذن العلم إنما يكون مبنيا على فهم لغة العرب، وهذا أمر مجمع عليه لا خلاف بين أهل العلم المتقدّمين _فيمن كتب وصنّف_ أن لسان العرب شرط في الاجتهاد، ومعنى الاجتهاد أن ينظر في كلّ مسألة وينظر في دليلها ثم يقول: (والرّاجح كذا)، هذا هو الاجتهاد، ترجيح على حسب ما يقتضيه الدليل، وهذه مرحلة الاجتهاد أو مرتبة الاجتهاد لا تحلّ لكل أحد من الناس ولو كان طالب علم، بل ولو كان عالما، لماذا؟ لأنه موقوف على ضوابط، هذه الضوابط من أساسها وما تبنى عليه هو فهم لسان العرب، وذكرنا أن إجماع أهل العلم أن لسان العرب شرط في صحة الاجتهاد، فإذا كان كذلك حينئذ لابدّ من العناية بالنحو عناية فائقة, طلاب العلم قد يبدأ بالتفسير، قد يبدأ بالفقه، قد يبدأ بالحديث، ثم تذهب الأعمار، ثم هو هو مقلّد، ولسبب فوات العناية بعلوم الآلة يقع طالب العلم في تخبط لأنه يسير _يعني_ بلا قائد، هذا الذي ضيع طلاب العلم الآن؛ لأنهم يسيرون على أهوائهم، لأنهم يسيرون على ما تشتهيه أنفسهم، ويظن أن موافقة الواقع وما عليه الناس هو الصحيح، لا ليس الأمر كذلك، بل لابدّ من نظرٍ في كلام أهل العلم المتقدمين، الذين صنّفوا وكتبوا في العلم واختصروا وشرحوا ونظموا، كلّ ذلك ويذكرون في مقدّماتهم من هو الذي يدرس هذا الكتاب وهذا النظم و ... إلى آخره.