جميع الأحكام لا يحيط بها بشر؛ لأن الأئمة الأربعة وغيرهم سئلوا عن بعض الأحكام، فقالوا: لا ندري.
وجوابه: أن لنا التزام كل واحد من القسمين، فإن التزمنا أن المراد العلم ببعض الأحكام، فالمراد العلم بها بأدلتها وأماراتها ووجه استفادتها منها، والمقلد لا يعلم بعض الأحكام كذلك، فلا يدخل في الحد، فيكون مانعا. وإن التزمنا أن المراد العلم بجميع الأحكام، فالمراد العلم بجميعها بالقوة القريبة من الفعل، والمراد بذلك تهيؤه، يعني تهيؤ المجتهد للعلم بالجميع لأهليته للاجتهاد والاستنباط، لما عنده من الاستعداد بمعرفة أدلة الأحكام، ووجوه دلالتها، وكيفية اقتباس الأحكام منها.
والحاصل أنه ليس المعتبر أن يكون عالما بجميع الأحكام بالفعل، أعني يستحضرها في الحال، بل بعضها بالفعل والاستحضار، وبعضها بالقوة، بمعنى أنه يمكنه معرفتها بعرضها على أدلة الشرع التي قد استعد بمعرفتها لذلك، وهي ملكة الاستنباط، وحينئذ لا يلزم من العلم بها العلم بجميعها بالفعل، فلا يضر قول الأئمة: لا ندري في جواب ما سئلوا عنه من الأحكام، مع تمكنهم من علم ذلك بالاجتهاد قريبا، أي: على قرب من الزمان. بخلاف المقلد، فإنه لا يمكنه معرفة حكم لا يستحضره قريبا ولا بعيدا.
وعليه فيكون تعريف الشيخ للفقه اصطلاحا: (العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة بأدلتها التفصيلية).
وقد سبق بيان أن الفقه هو نفس الأحكام لا معرفتها ولا العلم بها فيكون تعريف الفقه المختار هو: (الأحكام الشرعية العملية المكتسبة بأدلتها التفصيلية).
قال الشيخ: (الثاني: باعتبار كونه لقباً، فيعرف بأنه: " علم يبحث عن أدلة الفقه الإجمالية وكيفية الاستفادة منها وحال المستفيد ").
شرح التعريف، قوله " الإجمالية " أي غير المعينة، تسمى أيضا الكلية وهي كالقواعد العامة مثل قولهم: الأمر للوجوب والنهي للتحريم، وكالعام والخاص، والمطلق والمقيد، وكالكتاب والسنة، ونحو ذلك، والأدلة الإجمالية خلاف التفصيلية التي سبق وأن تكلمنا عنها في تعريف الفقه.