مرتبة الاجتهاد فهذا الراجح في حقه هو جواز التمذهب دون التعصب، وفائدة التمذهب أن يتحصل عند الطالب منهج ومعيار منضبط وغير متناقض في النظر إلى المسائل الفقهية، وأيضا سيحقق له التدرج والترقي في سلم العلم، فكل مذهب من المذاهب تعاقبت أجيال على خدمته على مدار قرون طوال، وصنف العلماء فيه مؤلفات كثيرة منها ما يقتصر على رواية واحدة ثم يتدرج، ويعرض للطالب روايتين، وهكذا، وهذه المزية لا يجدها في غير كتب المذاهب، وإنما أنكر الناس التمذهب حينما خلطوه بالتقليد المذموم الذي يتعصب فيه الطالب للإمام ويعتقد أنه قد أحاط بكل مسائل الدين وأدلتها، وأنه معصوم عن الخطأ.
وعليه فالصواب أن الطالب يجوز له أن يتمذهب، شريطة ألا يتعصب، بل يرجع عما ظهر له خطأ إمامه فيه، وأقوال الأئمة كثيرة في النهي عن تقليدها.
قال المرداوي في "التحبير" (8/ 4086): (ذكر بعض أصحابنا، والمالكية، والشافعية: هل يلزم التمذهب بمذهب والأخذ برخصه وعزائمه؟ على وجهين: أشهرهما: لا، كجمهور العلماء فيتخير. والثاني: يلزمه. واختيار الآمدي منع الانتقال فيما عمل به. وقال الشيخ تقي الدين في الأخذ برخصه وعزائمه: طاعة غير النبي في كل أمره ونهيه وهو خلاف الإجماع، وتوقف أيضا في جوازه. وقال أيضا: إن خالفه لقوة الدليل، أو زيادة علم، أو تقوى، فقد أحسن، ولم يقدح في عدالته بلا نزاع، وقال أيضا: بل يجب في هذه الحال، وأنه نص أحمد. وكذا قال القدوري الحنفي: ما ظنه أقوى، عليه تقليده فيه، وله الإفتاء به حاكيا مذهب من قلده. وذكر ابن هبيرة من مكائد الشيطان: أن يقيم أوثانا في المعنى تعبد من دون الله، مثل: أن يتبين الحق، فيقول: ليس هذا مذهبنا، تقليدا لمعظم عنده قد قدمه على الحق. وقال ابن حزم: أجمعوا أنه لا يحل لحاكم ولا لمفت تقليد رجل، فلا يحكم ولا يفتي إلا بقوله '. واختار النووي أنه لا يلزمه، وقيل: يلزمه التمذهب بمذهب. قال في ' الرعاية ': هذا الأشهر فلا يقلد غير أهله. وقال في ' آداب المفتي ': يجتهد في أصح المذاهب فيتبعه. وقال بعض الشافعية - وهو الكيا - فإنه قطع بأنه يلزمه التمذهب. فعلى هذا يلزمه أن يختار مذهبا يقلده في كل شيء، وليس له التمذهب لمجرد التشهي. قال النووي: ' هذا كلام الأصحاب والذي يقتضيه أنه لا