التقليد والاتباع، فقال أبو داود: سمعته يقول: الإتباع أن يتبع الرجل ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن أصحابه، ثم هو من بعد في التابعين مخير. انتهى محل الغرض منه.
قال مقيده عفا الله عنه، وغفر له: أما كون العمل بالوحي إتباعا لا تقليدا فهو أمر قطعي، والآيات الدالة على تسميته إتباعا كثيرة جدا ; كقوله تعالى: (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [الأعراف: 3].
وقوله تعالى: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) [الزمر: 55] ... والآيات بمثل هذا كثيرة معلومة.
فالعمل بالوحي، هو الإتباع كما دلت عليه الآيات.
ومن المعلوم الذي لا شك فيه، أن إتباع الوحي المأمور به في الآيات لا يصح اجتهاد يخالفه من الوجوه، ولا يجوز التقليد في شيء يخالفه.
فاتضح من هذا الفرق بين الإتباع والتقليد، وأن مواضع الإتباع ليست محلا أصلا للاجتهاد ولا للتقليد، فنصوص الوحي الصحيحة الواضحة الدلالة السالمة من المعارض لا اجتهاد ولا تقليد معها البتة ; لأن اتباعها والإذعان لها فرض على كل أحد كائنا من كان كما لا يخفى.
وبهذا تعلم أن شروط المجتهد التي يشترطها الأصوليون إنما تشترط في الاجتهاد، وموضع الإتباع ليس محل اجتهاد. فجعل شروط المجتهد في المتبع مع تباين الاجتهاد والاتباع وتباين مواضعهما خلط وخبط، كما ترى ... ).
ومنزلة الإتباع على هذا المعنى لا ينكرها أحد، وهي خارجة عن موضوعنا فموضوعنا في التقليد والاجتهاد وهذا لا يكون إلا في المسائل الظنية، وراجع ما سبق في تعريف الاجتهاد.
والراجح عندي أن ليس هناك ثمة واسطة بين المجتهد والمقلد فقد قال تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) فلم يجعل منزلة وسط بين منزلة السائل ومنزلة المسئول فالقسمة ثنائية، وكما قد سبق وأن ذكرت أنواع المجتهدين وأحكامهم، فأقول أيضا أحوال المقلدين تختلف وهو على طبقات فمنهم من هو على دراية ببعض الأدلة