وقد سبق بيان أن القياس له مراتب من حيث القوة والضعف والجلاء والخفاء، فالقياس الذي في معنى الأصل أقوى من القياس الجلي، والجلي أقوى من الخفي، وقياس العلة أقوى من قياس الدلالة.
قال الشيخ: (المفتي: هو المخبر عن حكم شرعي).
وهذا الحد غير مانع وينبغي إضافة بعض القيود له ليكون جامعا مانعا:
أولاً - من المقرر أن المفتي لا يكون إلا مجتهدا (?)، وغير المجتهد لا يكون مفتيا حقيقة، وعليه فلما كان هذا الحد يدخل فيه من أخبر عن حكم الله بغير علم بالدليل سواء أكان مقلدا أم متخيلا. فكان لابد من تقييده بما يميز المجتهد من غيره مثلا بإضافة قيد: استنبطه من الأدلة التفصيلية، أو لكونه من أهل الفتيا، ونحو ذلك.
قال ابن النجار في " شرح الكوكب المنير " (4/ 570): ("وما يجيب به المقلد عن حكم فإخبار عن مذهب إمامه، لا فتيا" قاله أبو الخطاب وابن عقيل والموفق).
وقال الأشقر في رسالته "الفتيا ومناهج الإفتاء" (ص/10): (وقولنا "بدليله" يخرج به قول من أخبر بالحكم عن تخيل منه لا عن علم، وكذا يخرج به قول من قال تقليدا لغيره فهو حينئذ حكاية ونقل لا فتيا؛ لأنه لا يعلم أن ما قاله حكم الله).
قال العكبري الحنبلي في "رسالة في أصول الفقه" (ص/ 125): (والمفتي هو المخبر بالحكم الشرعي مع كونه من أهل الفتيا).
قال ابن حمدان في "صفة الفتوى" (ص / 4): (المفتى هو المخبر بحكم الله تعالى لمعرفته بدليله).
ثانيًا - هذا الحد يدخل فيه الإرشاد، ولابد من إضافة قيد: (لمن سأل) للتفريق بين المفتى والمرشد؛ وذلك لأن الإخبار بحكم الله تعالى من غير سؤال هو إرشاد.