قال القاضي أبو يعلى في "العدة" (3/ 1019) وهو يتكلم عن وجوه الترجيح من ناحية الإسناد: (الثالث: أن يكون أحد الراويين مباشرا لما رواه؛ لأن المباشر أعرف بالحال، ومثاله ما قلناه في رواية أبي رافع أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (نكح ميمونة وهو حلال) أنه أولى من رواية ابن عباس: (أنه نكحها وهو حرام)؛ لأن أبا رافع كان السفير بينهما، والقابل لنكاحها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
الرابع: أن يكون أحد الراويين صاحب القصة، كميمونة، قدمنا قولها: تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن حلالان، على قول ابن عباس؛ لأنها المعقود عليها، فهي أعرف بوقت عقدها من غيرها لاهتمامها به ومراعاتها لوقته.
ومنع الجرجاني: أن يكون هذا ترجيحا، وقال: هذا الحكم لا يعود إلى صاحب القصة، وإنما يعود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد يكون الغير أقرب إليه، وأعرف بأحواله في نفسه من المرأة. والصحيح ما ذكرنا؛ لأن صاحب القصة أعرف بذلك من غيره) (?).
سبق بيان أن الإجماع نوعان قطعي وظني، فإن تعارضا فيقدم الإجماع القطعي.
قال الشيخ في "الشرح" (ص/598): (فإذا كان لدينا مسألتان: (إحداهما) الإجماع فيها قطعي. و (الثانية) الإجماع فيها ظني، وتعارضتا، فنقدم ما كان الإِجماع فيها قطعيًا؛ لأن ما كان الإجماع فيها ظنيًا فنحن في شكٍّ من دليله؛ لأن الإِجماعَ دليل إذا تُيُقِّن، فإذا وُجد دليل قطعي متيقن وجب تقديمه على الإجماع الظني لأنه أقوى منه).