قال الشيخ الجيزاني في "معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة " (ص / 272): (ولعل الصواب هو التوقف في هذين الدليلين، والبحث عن دليل جديد. وهذا يوافق منهج السلف فإنهم كانوا يطلبون الدليل في القرآن، فإن لم يجدوه في القرآن طلبوه في السنة، فإن لم يجدوه في السنة طلبوه في الإجماع، وهكذا .... ).

وقال الشيخ عياض في "أصوله" (ص/418): (وإذا تحقّقت الشروطُ السابقةُ في الدليلين المتعارضين، فما موقفُ المجتهد؟

اختلف العلماءُ في ذلك:

فذهب بعضهم إلى التخيير، بأنْ يكونَ المكلَّفُ مخيَّراً بين العمل بهذا الدليل أو ذاك، ونُسب للشافعي، واختاره القاضي الباقلانيّ والغزاليّ.

وهذا يُناسبُ القائلين: إن كلَّ مجتهدٍ في الظنيات مصيبٌ، وأن الحقَّ عند الله يُمكنُ أنْ يتعدّدَ. ولا يُناسبَ المُخطِّئةَ.

وذهب بعضُهم إلى التوقُّف، وهو يُناسبُ القولَ بتخطئة بعض المجتهدين، وأن المصيبَ واحدٌ.

وذهب بعضهم إلى أن على المجتهد أنْ يأخذَ بالأشدِّ؛ لأن الحقَّ شديدٌ.

وذهب آخرون إلى أن عليه أنْ يأخذَ بالأيسر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «يَسِّروا، ولا تُعَسِّروا» (متفق عليه عن أنس وأبي موسى).

والراجح - إن شاء الله تعالى - أنْ يُقال: هذا قد يكونُ في حقّ بعض المجتهدين دون بعضٍ؛ ولذا فإن المجتهدَ إذا لم يتّضحْ له رجحانُ أحد المتعارضَينِ يلزمُه أنْ يتوقّفَ ويبحثَ عن دليلٍ آخَرَ، يُؤيِّدُ هذا الدليلَ أو ذاك ... ).

قال الطوفي في "شرح مختصر الروضة" (3/ 617): (إذا تعارض دليلان عند المجتهد، ولم يترجح أحدهما، لزمه التوقف، وهو قول أكثر الحنفية والشافعية، وقال بعض الفئتين»: «يخير بالأخذ بأيهما شاء».

قلت: ذكر الغزالي بناء ذلك على التعيين والتصويب، فمن قال: المصيب واحد؛ قال: لا تعارض في أدلة الشرع من غير ترجيح، وإنما هذا لعجز المجتهد، فيلزمه التوقف، أو الأخذ بالاحتياط، أو تقليد مجتهد آخر عثر على الترجيح. أما المصوبة، فقال بعضهم: يتوقف، وقال القاضي منهم: يتخير.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015