النسخ إن علم المتأخر فيكون ناسخا للمتقدم وإلا إذا لم يعلم المتأخر فالحكم الترجيح لأحدهما على الآخر بطريقه إن أمكن ثم الجمع بينهما إن أمكن إذا لم يمكن ترجيح أحدهما على الآخر لأن إعمال كليهما في الجملة حينئذ أولى من إلغاء كليهما بالكلية وإلا إذا لم يعلم المتقدم ولم يمكن ترجيح أحدهما ولا الجمع بينهما تركا أي المتعارضان إلى ما دونهما من الأدلة).
والأولى أن يقدم الجمع على الترجيح؛ لأن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما، وأما الخلاف في تقديم النسخ على الجمع أو العكس فهو من وجهة نظري خلاف لفظي، فإنه إن صحت شروط النسخ (?) لم يمكن الجمع، وإن أمكن الجمع فلا يتحقق النسخ.
قال المرداوي في " التحبير" (6/ 2983): (قوله: {لا نسخ مع إمكان الجمع}؛ لأنا إنما نحكم بأن الأول منسوخ إذا تعذر علينا الجمع بينهما، فإذا لم يتعذر وجمعنا بينهما بمقبول فلا نسخ. قال المجد في ' المسودة ' وغيره: لا يتحقق النسخ إلا مع التعارض، فأما مع إمكان الجمع فلا).
قال ابن الجوزي في "نواسخ القرآن" (ص/23): (الشروط المعتبرة في ثبوت النسخ خمسة: الشرط الأول أن يكون الحكم في الناسخ والمنسوخ متناقضا بحيث لا يمكن العمل بهما جميعا فإن كان ممكنا لم يكن أحدهما ناسخا للآخر ... ).
إذا وجد المجتهد دليلان متعارضان فإنه يجمع بينهما بوجه من وجوه الجمع والتوفيق بين الأدلة، فإن تعذر عليه ذلك - ولم يكن أحدهما منسوخا، فإنه يتوقف عن الاستدلال بأيهما لحين ظهور وجه الجمع بينهما، أو الترجيح لأحدهما على الآخر، وإنما قلنا بالتوقف لأن الحق واحد لا يتعدد، ولم نقل بالتخيير بين أيهما لأن هذا يستلزم تعدد الحق، وأنه ليس محصورا في واحد منهما.