أُمَّةً) وَسَطًا «أي: عدولا» خيارا، كذلك قال أئمة أهل اللغة والتفسير ... قوله تعالى: (لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) [البقرة: 143] أي: لتشهدوا يوم القيامة على الأمم أن أنبياءهم بلغوهم أمر الله تعالى بالتوحيد وأحكامه، فدل على أن المراد بالوسط من تقبل شهادته، خصوصا في ذلك اليوم، على ذلك الخلق العظيم: وهو العدل وإذا ثبت أن الوسط في الآية الكريمة هو العدل، فالاستدلال بها من وجهين:

أحدهما: أن وصفهم بالعدالة في سياق المدح، وإنما يحسن المدح إذا كانوا على الصواب في أقوالهم وأفعالهم، وذلك يوجب أن ما اتفقوا عليه يكون صوابا.

الوجه الثاني: أن الوصف بالعدالة، إما لكل واحد منهم أو لمجموعهم، والأول باطل قطعا، لوجود آحاد الفساق فيهم كثيرا، فتعين الثاني، وهو أن الوصف بالعدالة لمجموعهم، وذلك يقتضي أن ما يقولونه مجتمعين عليه حق وصواب، لأن قائل غير الحق والصواب يكون كاذبا، والكاذب لا يكون عدلا ... ).

- وجه الاستدلال بالآية الثانية:

وهي قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) [النساء: 59]:أنه تعالى أمر في الآية بالرد إلى الله ورسوله، أي الكتاب والسنة، بشرط وجود التنازع في الحكم بين المؤمنين؛ ليرتفع التنازع ويحصل الاتفاق بينهم، وذلك يدل على أنه إذا لم يوجد التنازع بل كان الحكم مجمعا عليه فلا يجب الرجوع إلى الكتاب والسنة؛ لانعدام المشروط بشرطه، بل يكتفى بالإجماع عنهما، فكان الإجماع حجة، يجب العمل به كالكتاب والسنة.

ومن أقوى الأدلة على حجية الإجماع قوله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) [النساء: 115]، وجه الاستدلال بها أنه سبحانه توعد بالنار من اتبع غير سبيل المؤمنين، وذلك «يوجب إتباع سبيلهم» وإذا أجمعوا على أمر، كان سبيلا لهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015