وذهب الباقلاني والزركشي إلى أن إنكار المنكر لا يسقط عن النبي صلى الله عليه وسلم من أجل الخوف على نفسه لأمرين:
أن الله تعالى ضمن له النصر والظفر على أعدائه بقوله: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ) [الحجر: 95]، وقوله: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة: 67].
والثاني: أن تركه الإنكار يوهم جواز الشيء ونسخ النهي.
وتابعهم المرداوي في عدم اعتبار هذا الشرط فقال في "التحبير" (3/ 1492): (لم يقيد المسألة بكونه قادرا عليه، كما ذكره ابن الحاجب وغيره، إذ لا حاجة إليه؛ لأن من خصائصه - صلى الله عليه وسلم - أن وجوب إنكاره المنكر لا يسقط عنه بالخوف على نفسه، وإن كان ذلك إنما هو لعدم تحقق خوفه، بعد إخبار الله تعالى عنه بعصمته من الناس) (?).
وقد أجاب الشيخ الأشقر على أدلة الباقلاني بقوله: (آية العصمة متأخرة في العهد المدني، وأنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يحرس قبل ذلك حتى نزلت. وأما كفاية المستهزئين فهي خاصة بهم، وليست عامة في من يخاف منهم.
ولذلك يظهر لنا أن هذا الشرط معتبر في الإقرار في أوائل العهد المدني، أما في العهد المكي فلم يتبعه - صلى الله عليه وسلم - إلا خلص المؤمنين، فلا خشية منهم. وأما بعد نزول آية العصمة فلا. وأما في العهد المدني قبل نزولها فيمكن تحقيق الخشية من جهة بعض من مردوا على النفاق من أهل المدينة.
وإنما يعتبر هذا الشرط بقدره، وحيث يتحقق لخوفه - صلى الله عليه وسلم - على نفسه وجه، والأصل عدم الخوف.
وأما استدلال الباقلاني بأن ترك الإنكار خوفا يوهم الجواز، فإن الإمارات لا تخفى على الحاضرين لو حصل شيء من ذلك، فلا يتحقق ما ذكر).
ومن دقق في كلامهما علم أنه لا منافاة بينهما، فمقصود من أعتبر هذا الشرط اعتباره في أوائل العهد المدني، ومقصود من لم يعتبره اعتبار ما كان بعد هذه الفترة من حراسة المؤمنين له، ثم نزول آية العصمة بما يحقق للنبي القدرة على الإنكار.