فيها، فلماذا يحمل فعله - صلى الله عليه وسلم - على أنه للوجوب خاصة؟.
بل الناتج من كون صلاته بياناً أن يكون كله فعل فعله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة دائراً بين هذه الأنواع الثلاثة، والعمدة في تمييز بعضها عن بعض إما القول، وإما الإجماع، وإما القرائن الأخرى، ولا يصلح الفعل وحده دليلاً. ولذلك قال الجصاص: (أمرنا بالاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - على وصف هو أن نصلي كما رأيناه يصلي. فنحتاج أن نعلم كيف صلى من ندب أو فرض فنفعل مثله).
قوله - صلى الله عليه وسلم -: (خذوا عني مناسككم) لا يتعين أن يكون المراد به ملاحظة أفعاله بخصوصها، بل يصدق على الأخذ عنه - صلى الله عليه وسلم - من أقواله بسؤاله عما يشكل عليهم، والاستماع إلى ما يأمر به ويرشد إليه.
فأقصى ما يدل عليه الحديث، أن يدل على مشروعية أفعاله - صلى الله عليه وسلم - في الحج، أما التفريق بين واجبها ومندوبها فلابد من المصير إلى وجه آخر في الدلالة على ذلك. وحكم أفعاله - صلى الله عليه وسلم - من هذه الناحية حكم سائر الأفعال المجردة.
والخلاصة: أن هذين الحديثين لا يصلحان دليلا على أن أفعاله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة والحج واجبة، بناء على أنها بيان للواجب. بل أفعاله - صلى الله عليه وسلم - في هاتين العبادتين مختلطة واجبها بمندوبها غير متميزة، والعمدة في تمييز ذلك على الأدلة الأخرى. وينظر في كل فعل بخصوصه ما يحتف به من القرائن.
إن الفعل إذا ورد وله علاقة بنص قرآني، فلا بد من اعتبار كون النصّ مجملًا حتى يكون الفعل بيانا له، فمن لم يثبت أنه مجمل، لم يكن الفعل عنده بياناً ويتبين ذلك بمثالين فرعيين:
الأول: قوله تعالى في آية الوضوء: (وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) [المائدة: 6]، مع فعله - صلى الله عليه وسلم - في وضوئه، فإنه (أدار الماء على مرفقيه).
من العلماء من قال إن (إِلَى) مجمل؛ لأنه يكون بمعنى انتهاء الغاية، ويكون بمعنى (مع)، فهو مشترك، والمشترك مجمل، فجاء الفعل مبينا أن (إِلَى) بمعنى (مع) دون