المشكلة الكبرى في الأفعال البيانية، وخاصة في العبادات، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل الفعل بجميع أجزائه، الواجبة والمندوبة، ويفعل في أثنائه بعض الأفعال المباحة أيضا، ولا ينفصل في بادي الرأي واجبه من مندوبه من مباحه. وقد قال ابن الهمام: "أن الاستقراء يدل على أن كثيرا من الأفعال البيانية تشتمل على أفعال غير مرادة من المجمل ".
ويمثل كثير من الأصوليين للفعل البياني بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ويجعلونها بيانا لآيات الأمر بإقام الصلاة، وبحجه - صلى الله عليه وسلم -، ويجعلونه بيانا لآية: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) [آل عمران: 97] ويقولون: إن دليل كون صلاته - صلى الله عليه وسلم - وحجه، بياناً للآيتين هو الطريق القولي، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: (صلوا كما رأيتموني أصلي). وقوله: (خذوا عني مناسككم).
ففي الصلاة كان - صلى الله عليه وسلم - يقوم فيرفع يديه حذو منكبيه، ويكبِّر، ثم يضع يديه على صدره، ثم يقرأ الفاتحة وسورة سرا في بعض الصلوات، وجهرا في بعضها ... إلى آخر ما يذكر في صفة صلاته - صلى الله عليه وسلم -.
ومن المعلوم أن ذلك كله ليس بواجب، بل قد قال ابن قدامة: " إن أكثر أفعال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة مسنونة غير واجبة ".
وكذلك صفة أداء المناسك من طوافِ القدوم، والرمل، والاضطباع، وركعتي الطواف، والصلاة داخل الكعبة، والشرب من ماء زمزم، والسعي مع الهرولة، إلى غير ذلك.
فما يقوله جمهور الأصوليين، من أن الفعل الواقع بيانا لواجب فهو واجب، مشكل؛ لأنه يقتضي أن جميع ما فعله - صلى الله عليه وسلم - في الصلاة التي صلاها بيانا هو واجب، وكذلك جميع أفعاله في أخذ الزكاة، وفي الحج، وغير ذلك مما فعله بياناً. وهذا ما لا يقول به من الفقهاء أحد.
وقد أجاب به أبو شامة: سلمنا أن الحديث يدل على أن صلاته - صلى الله عليه وسلم - بيان، لكنها بيان للصلاة المطلوبة من المسلمين، بواجباتها وسننها وما يجوز