الجهة الثانية: جهة أنه امتثال لما أمر به من البيان. وهو من هذه الجهة واجب أو مستحب كما تقدم. وقد يختلف حكم الفعل الواحد من هاتين الجهتين، فيكون مندوبا من حيث إنه امتثال للأمر بعبادة مندوبة، واجبا من حيث إنه امتثال للأمر بالبيان.

الجهة الثالثة: جهة ما يحصل بالفعل من البيان، فيعلم به تفاصيل الفعل الذي أمرنا به، ويعلم أنه واجب في حقنا أو مندوب أو مباح، وذلك بتعلقه بما هو بيان له، فإن تعلق بآية دالة على الوجوب، دل على الوجوب، وإن تعلق بآية دالة على الندب دلّ على الندب، وإن تعلق بما دل على الإباحة دلّ على الإباحة.

ما يعرف به الفعل البياني:

الطريق الأولى: القول الصريح، بأن يقول - صلى الله عليه وسلم - ما فعلته أو ما سأفعله، هو بيان لكذا. وهذه أعلى الطرق. ومثاله قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعمار بن ياسر لما أراد أن يعلمه التيمم: (إنما كان يكفيك أن تقول هكذا، ثم ضرب بيده إلى الأرض ضربة واحدة، ثم مسح الشمال على اليمن، وظاهر كفيه، ووجهه). فمسح الكفين يبين به الإشكال في المراد باليد في آية التيمم.

الطريق الثانية: إجماع العلماء على أن الفعل المعين بيان لآية معينة. كإجماعهم في أعداد الركعات في الصلوات، وما فيها من الأركان التي اتفقوا عليها أن ذلك بيان للصلاة المأمور بها في الكتاب. وأن مقادير الزكاة التي أخذها - صلى الله عليه وسلم - هي بيان للزكاة المأمور بها.

الطريق الثالثة: أن يرد خطاب مجمل، ولم يبينه - صلى الله عليه وسلم - بالقول، وأتى وقت التنفيذ، ففعل - صلى الله عليه وسلم - أمامهم فعلا صالحاً للبيان، فيعلم الحاضرون أنه بيان لذلك المجمل. هذا بالنسبة إلى من شاهد الفعل الواقع بعد المجمل. أما بالنسبة إلى من لم يشاهده، كغير الصحابي، فإننا إذا بلغنا الفعل النبوي يحتمل عندنا أنه - صلى الله عليه وسلم - كان قد بينه بالقول ولم يبلغنا. فيكون الظاهر عندنا أن الفعل بيان. قاله الغزالي، ومثاله أنه تعالى أمر بالوقوف بعرفة، ولم يذكر وقت الوقوف، فوقف النبي - صلى الله عليه وسلم - تاسع ذي الحجة، فتبين بذلها وقته للواقفين معه.

الطريق الرابعة: أن يُسال - صلى الله عليه وسلم - عن بيان مشكل، فيفعل فعلاً

طور بواسطة نورين ميديا © 2015