الضرب الثاني:
الأفعال الجبلية الاختيارية، وهي ما يفعله عن قصد وإرادة، ولكنها أفعالا تدعو إليها
ضرورته من حيث هو بشر، ويوقعها الإنسان قصداً عند شعوره بتلك الضرورة. إلّا أن إيقاعها تابع لإرادته وقصده، بحيث يستطيع الامتناع عن ذلك في وقت دون وقت.
ومثال هذا الضرب: تناول الطعام والشراب، وقضاء الحاجة، واتخاذ المنزل، والملابس، والفراش، والمشي والجلوس والنوم والتداوي من المرض، والنكاح.
والفعل الجبلي الاختياري مهما كان نوعه يدل على الإباحة، ولا يدل على استحباب أو وجوب، ما لم يقترن بقول أو قرينة تدل على ذلك، أو يكون له صلة بالعبادة.
الفعل الجبلي الاختياري على قسمين، لأنه إما أن يكون له صلة بالعبادة، أو لا يكون له بها صلة.
والمراد به ما ليس له صلة بالعبادة، كأكل طعام معين كالتمر واللحم والعسل، وسير في طريق معين، ولبس ثياب ذات شكل معين، كالقباء والعباء والقميص، أو من مادة معينة كالقطن والصوف.
وهذا النوع من الأفعال يقع من النبي - صلى الله عليه وسلم - على سبيل الإباحة. والمشهور عند الأصوليين أنه لا أسوة فيه، بل من شاء أن يفعل مثله فعل، ومن شاء أن يترك تركه، دون أن يكون للفعل ميزة على الترك من ثواب أو غيره، ودون أن يكون في الترك ذم شرعي.
قال ابن تيمية: "لو فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلًا بحكم الاتفاق، مثل نزوله في السفر بمكان أو أن يفضل في إداوته ماء فيصبه في أصل شجرة، أو أن تمشي راحلته في أحد جانبي الطريق، ونحو ذلك، فهل يستحب قصد متابعته في ذلك؟ كان ابن عمر يحب أن يفعل مثل ذلك (?). وأما الخلفاء الراشدون وجمهور