مسألة العذر بالجهل من المسائل الكبار والتي صنفت فيها مصنفات كثيرة، ولن نتعرض الآن لما يتعلق بالأحكام العلمية فهذا له مجال آخر، ولنقتصر على ما يتعلق بالأحكام الشرعية العملية.
وقد تكلم الشيخ - رحمه الله - في "شرح الأصول" على قاعدة هامة وفصل فيها تفصيلا جيد فقال (ص/221): (الجهل بالمحرم لا شك أن الإنسان لا يؤاخذ به ولا يترتب عليه شيء من أحكامه مهما كان هذا الشيء المحرم.
أما الجهل بالواجب فنقول أنه لا يؤاخذ به الإنسان من حيث الإثم؛ لأنه جاهل لكن من حيث القضاء فهذا فيه تفصيل:
فإن كان حصل منه تفريط فإنه لا يمكن أن يتساهل معه، وإن لم يحصل منه تفريط فإن كان جاهلا بالحكم يعذر به ويرفع عنه القضاء ولنا في هذا حجج:
ومنها حديث المسيء في صلاته.
ومنها: حديث المستحاضة التي كانت تستحيض حيضة كبيرة تمنعها الصلاة حتى سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (اجلسي قدر ما كانت الحيضة) ولم يأمرها بالقضاء لأنها بانية على أصل يعني لها عذر، والأصل أن هذا الدم حيض ولهذا قالت: إني أستحيض حيضة شديدة كبيرة، فهذه معذورة لم يأمرها
النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء.
ومنها: حديث أهل قباء حيث صلوا بعض الصلوات إلى غير القبلة لكن لأنهم لم يعلموا بالنسخ وبنوا على أصل، والأصل: البقاء على القبلة وبقاء ما كان على ما كان).
وهذه القاعدة في التفريق بين المأمورات والمحظورات في العذر فيها بالجهل تكلم بها كثير من العلماء فمنهم من أطردها، ومنهم من قيدها كالشيخ وغيره بأن تكون في حقوق الله دون حقوق العباد ومنهم من زاد على ذلك شروطا أخرى، ولن استطرد في ذكر أقوال هؤلاء، وإنما أشير إلى بعضها:
قال الشيخ في "الأصل" (ص/33) عقب ذكره لهذه الموانع: (وتلك الموانع إنما هي في حق الله؛ لأنه مبني على العفو والرحمة أما في حقوق المخلوقين فلا تمنع من