منها، وبدليل أنها تصوم رمضان مع مكان الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فلو كان القضاء واجبًا على الفور لكان مكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يمنعها من القضاء؛ لأن هذا مكان لا يمنع من الواجبات.
إذًا "فما أستطيع ": ليس المراد نفي القدرة البدنية، ولكن القدرة التي يراد بها مراعاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهذه المراعاة لا تسقط الواجب.
والجواب على الإِيراد الثاني من وجهين:
الوجه الأول: يبعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعلم بما يكون لعائشة، وهي زوجته وأحب النساء إليه، ويبعد جدًا ألا يعلم أنها تؤخر القضاء.
ثانيًا: على فرض أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يعلم فإن اللَّه تعالى قد علم، واللَّه تعالى لا يقر أحدًا على خطأ فيِ زمن الوحي، والدليل على أن اللَّه لا يقر أحدًا في زمن الوحيِ قوِله تعالى: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا) [النساء: 108]، فهؤلاء القوم لا يَعلم
أحد عنهم شيئًا؛ لأنهم يستخفون من الناس، فالناس لا يعلمون عنهمِ شيئًا، ولكن اللَّه سبحانه وتعالى يعلم، فبيَّن ما يبيتونه فقال: (إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ) فالناس لا يعلمون ولكن الله يعلم، ولما كان هذا الأمر لا يرضاه بيَّنه- سبحانه وتعالى، فهذه الآية واضحة في أن اللَّه لا يقر أحدًا على خطأ في عهد النبوة).
قال المرداوي في التحبير (2/ 931): (هذه المسألة هي المعبر عنها في الأصول: بما لا يتم الواجب إلا به واجب، وربما قيل: ما لا يتم المأمور إلا به يكون مأموراً به، وهو أجود وأشمل من حيث إن الأمر قد يكون للندب، فتكون مقدمته مندوبة، وربما كانت واجبة).
قال الشيخ في الأصل: (إذا توقف فعل المأمور به على شيء كان ذلك الشيء مأموراً به فإن كان المأمور به واجباً كان ذلك الشيء واجباً، وإن كان المأمور به مندوباً كان ذلك الشيء مندوباً.
مثال الواجب: ستر العورة فإذا توقف على شراء ثوب كان ذلك الشراء واجبا.