ولأن المبادرة بالفعل أحوط وأبرأ، والتأخير له آفات، ويقتضي تراكم الواجبات حتى يعجز عنها).
وقد ساق الشنقيطي في أضواء البيان بعض الأدلة بعبارة مختصره وأجاب عن بعض أدلة المخالفين فقال (4/ 338): (جماعة من أهل الأصول قالوا: إن الشرع واللغة والعقل كلها دال على اقتضاء الأمر الفور.
أما الشرع - قوله: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [آل عمران: 133]، وكقوله: (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [الحديد: 21]- قوله: (سَابِقُواْ) وقوله (وَسَارِعُواْ) يدل على وجوب المبادرة إلى امتثال أوامر الله فوراً. ومن الآيات التي فيها الثناء على المبادرين إلى امتثال أوامر ربهم قوله تعالى (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) [الأنبياء: 90]. وقوله تعالى (أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) [المؤمنون: 61].
وأما اللغة: فإن أهل اللسان العربي، مطبقون على أن السيد لو قال لعبده: اسقني ماء، فلم يفعل، فأدبه، فليس للعبد أن يقول له: صيغة أفعل في قولك: اسقني ماء، تدل على التراخي، وكنت سأمتثل بعد زمن متراخ عن الأمر بل يقولون: إن الصيغة ألزمتك فوراً، ولكنك عصيت أمر سيدك بالتواني والتراخي.
وأما العقل: فإنا لو قلنا: إن وجوب الحج على التراخي، فلا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون ذلك التراخي له غاية معينة ينتهي عندها، وإما لا. والقسم الأول ممنوع، لأن الحج لم يعين له زمن يتحتم فيه، دون غيره من الأزمنة، بل العمر كله تستوي أجزاؤه بالنسبة إليه. إن قلنا: إنه ليس على الفور. والحاصل: أنه ليس لأحد تعيين غاية له لم يعينها الشرع.
والقسم الثاني الذي هو: أن تراخيه، ليس له غاية، يقتضي عدم وجوبه، لأن ما جاز تركه جوازاً، لم تعين له غاية ينتهي إليها، فإن تركه جائز إلى غير غاية، وهذا يقتضي عدم وجوبه والمفروض وجوبه.
فإن قيل: غايته الوقت الذي يغلب على الظن بقاؤه إليه.
فالجواب: أن البقاء إلى زمن متأخر، ليس لأحد أن يظنه؟ لأن الموت يأتي بغتة، فكم من إنسان يظن أنه يبقى سنين فيخترمه الموت فجأة، وقد قدمنا قوله تعالى في