وسيلة لواجب فهو واجب، وإن كان وسيلة لمندوب فهو مستحب.
وهذا التعريف غير جامع لدخول الإباحة العقلية فيه، وهي غير مرادة بالحد هنا، وإنما المراد المباح الشرعي، والإباحة العقلية هي البراءة الأصلية، وهي الحكم قبل ورود الشرع، ورفعها لا يكون نسخا، فتحريم الربا لم يكن ناسخا لإباحته في أول الإسلام؛ لأنه إباحته كانت عقلية لا شرعية، وقد يجاب عن ذلك بأن المقصود آصالة من بداية هذا المبحث هو تعريف الأحكام الشرعية لا العقلية، والمقصود هنا تعريف الإباحة الشرعية فلا وجه لتوهم دخول الإباحة العقلية في التعريف.
وعلى فرض صحة هذا التعقب فالأولى تعريفه بأنه: (خطاب الشارع بالتخيير بين الفعل والترك من غير بدل)، فصدرناه بأنه خطاب الشارع مشيا على طريقة الأصوليين في تعريف الحكم الشرعي بأنه نفس الخطاب، وأيضا لإخراج الإباحة العقلية، فإنها غير منسوبة للشرع، والقيد الأخير ليخرج الواجب الموسع في أول الوقت، والواجب المخير (?).
قال الآمدي في "إحكامه" (1/ 168): (اتفق المسلمون على أن الإباحة من الأحكام الشرعية خلافا لبعض المعتزلة مصيرا منه إلى أن المباح لا معنى له سوى ما انتفى الحرج عن فعله وتركه، وذلك ثابت قبل ورود الشرع وهو مستمر بعده فلا يكون حكما شرعيا، ونحن لا ننكر أن انتفاء الحرج عن الفعل والترك ليس بإباحة شرعية وإنما الإباحة الشرعية خطاب الشارع بالتخيير على ما قررناه، وذلك غير ثابت قبل ورود الشرع، ولا يخفى الفرق بين القسمين، فإذا ما أثبتناه من الإباحة الشرعية لم يتعرض لنفيها وما نفي غير ما أثبتناه).
قال الشيخ: (المباح مادام على وصف الإباحة فإنه لا يترتب عليه ثواب ولا عقاب).