مُكَلَّفَةٌ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَإِلَى أَنْ تُوصَفَ أَنْبِيَاءُ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ بِأَوْصَافِهِمْ الذَّمِيمَةِ وَفِيهِ ازْدِرَاءٌ بِهَذَا الْمَنْصِبِ الشَّرِيفِ (أَوْ ادَّعَى شِرْكًا مَعَ نُبُوَّتِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -) كَدَعْوَى مُشَارَكَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَأَنَّهُ كَانَ يُوحَى إلَيْهِمَا مَعًا (أَوْ بِمُحَارَبَةِ نَبِيٍّ) أَيْ قَالَ بِجَوَازِهَا وَكُفْرُهُ ظَاهِرٌ (أَوْ جَوَّزَ اكْتِسَابَ النُّبُوَّةِ) لِأَنَّهُ خِلَافُ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ وَلِأَنَّهُ يَسْتَلْزِمُ جَوَازَ وُقُوعِهَا بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (أَوْ) (ادَّعَى أَنَّهُ يَصْعَدُ) بِجَسَدِهِ (لِلسَّمَاءِ) أَوْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ وَيَأْكُلُ مِنْ ثِمَارِهَا (أَوْ) ادَّعَى أَنَّهُ (يُعَانِقُ الْحُورَ) الْعِينِ يَقَظَةً فَكُفْرٌ؛ لِأَنَّهُنَّ نِسَاءُ الْجَنَّةِ فَلَا يَظْهَرْنَ فِي الدُّنْيَا إجْمَاعًا فَتَأَمَّلْ (أَوْ) (اسْتَحَلَّ) حَرَامًا عُلِمَتْ حُرْمَتُهُ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً (كَالشُّرْبِ) لِلْخَمْرِ أَوْ جَحْدِ حِلِّ مُجْمَعٍ عَلَى إبَاحَتِهِ أَوْ وُجُوبِ مُجْمَعٍ عَلَى وُجُوبِهِ أَيْ مِمَّا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً فَلَوْ قَالَ أَوْ جَحَدَ حُكْمًا عُلِمَ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً لَكَانَ أَحْسَنَ فَخَرَجَ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ كَوُجُوبِ إعْطَاءِ السُّدُسِ لِبِنْتِ الِابْنِ مَعَ وُجُودِ الْبِنْتِ وَمَا عُلِمَ ضَرُورَةً وَلَيْسَ مِنْ الدِّينِ وَلَا يَتَضَمَّنُ تَكْذِيبَ قُرْآنٍ أَوْ نَبِيٍّ كَإِنْكَارِ قَتْلِ عُثْمَانَ أَوْ خِلَافَةِ عَلِيٍّ أَوْ وُجُودِ بَغْدَادَ بِخِلَافِ إنْكَارِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى أَوْ فِرْعَوْنُ فَإِنَّهُ كُفْرٌ؛ لِأَنَّهُ تَكْذِيبٌ لِلْقُرْآنِ.
(لَا) يَكْفُرُ (دَاعِيًا عَلَى غَيْرِهِ بِأَمَاتَهُ اللَّهُ كَافِرًا) (عَلَى الْأَصَحِّ) وَمُقَابِلُهُ يَكْفُرُ لِأَنَّهُ مِنْ الرِّضَا بِالْكُفْرِ وَرُدَّ بِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ إلَّا التَّغْلِيظَ عَلَيْهِ فِي الشَّتْمِ وَهَذَا التَّعْلِيلُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ إذَا دَعَا عَلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَهُمْ أَيْ الْقَائِلُونَ بِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي يُنْكِرُونَ الْبَعْثَ وَالْحَشْرَ أَيْ وَلَا يُنْكِرُونَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَهَذِهِ طَرِيقَةُ مَنْ يُنْكِرُ الْبَعْثَ الْجُسْمَانِيَّ وَيُثْبِتُ الرُّوحَانِيَّ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ فَيُنْكِرُونَ الْبَعْثَ وَالْحَشْرَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَهِيَ طَرِيقَةُ مَنْ يُنْكِرُ الْبَعْثَ مِنْ أَصْلِهِ سَوَاءٌ كَانَ رُوحَانِيًّا أَوْ جُسْمَانِيًّا وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ تَكْذِيبٌ لِمَا ثَبَتَ عَنْ الشَّارِعِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ) أَيْ أَنَّ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى خِلَافِهِ فَيَكُونُ خِلَافُهُ مَعْلُومًا مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَيَكْفُرُ الْقَائِلُ بِذَلِكَ، وَإِنْ ادَّعَى عَدَمَ الْعِلْمِ (قَوْلُهُ: وَإِلَى أَنْ تُوصَفَ إلَخْ) فِيهِ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ يَقْتَضِي الْقَتْلَ بِلَا اسْتِتَابَةٍ وَالْمُصَنِّفُ جَعَلَهُ مُرْتَدًّا يُقْتَلُ إنْ لَمْ يَتُبْ، إلَّا أَنْ يُقَالَ لَازِمُ الْمَذْهَبِ لَيْسَ بِمَذْهَبٍ كَذَا قِيلَ وَفِيهِ أَنَّ هَذَا فِي اللَّازِمِ غَيْرُ الْبَيِّنِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ اللَّازِمَ هُنَا بَيِّنٌ فَلْيُنْظَرْ ذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: مَعَ نُبُوَّتِهِ) مَعَ بِمَعْنَى فِي أَوْ أَنَّهَا عَلَى بَابِهَا أَيْ ادَّعَى شَرِيكًا مُصَاحِبًا لِنُبُوَّتِهِ (قَوْلُهُ: كَدَعْوَى مُشَارَكَةِ عَلِيٍّ) أَيْ ادَّعَى أَنَّ النُّبُوَّةَ شَرِكَةٌ بَيْنَهُمَا وَأَنَّهُمَا بِمَثَابَةِ نَبِيٍّ وَاحِدٍ وَقَوْلُهُ: أَوْ أَنَّهُ كَانَ يُوحَى إلَيْهِمَا مَعًا أَيْ ادَّعَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَبِيٌّ مُسْتَقِلٌّ جَمَعَهُمَا زَمَنٌ وَاحِدٌ (قَوْلُهُ: أَيْ قَالَ بِجَوَازِهَا) أَشَارَ الشَّارِحُ بِهَذَا إلَى أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ أَوْ بِمُحَارَبَةِ نَبِيٍّ عَطْفٌ عَلَى بِقِدَمِ الْعَالَمِ وَأَنَّ فِي الْكَلَامِ حَذْفَ مُضَافٍ وَمِثْلُ الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْمُحَارَبَةِ فِي كَوْنِهِ رِدَّةً اعْتِقَادُ جَوَازِهَا.
(قَوْلُهُ: أَوْ جَوَّزَ اكْتِسَابَ النُّبُوَّةِ) أَيْ قَالَ ذَلِكَ أَوْ اعْتَقَدَ جَوَازَ اكْتِسَابِهَا بِالْبُلُوغِ لِمَرْتَبَتِهَا بِصَفَاءِ الْقَلْبِ بِالْمُجَاهَدَاتِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ خِلَافُ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ لِانْعِقَادِ إجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهَا لَا تُكْتَسَبُ بِحَالٍ وَأَمَّا الْوِلَايَةُ فَإِنَّهَا قَدْ تَحْصُلُ بِالْكَسْبِ وَقَدْ تَكُونُ وَهْبِيَّةً كَذَا قَالَ عج وَقَالَ الشَّيْخُ إبْرَاهِيمُ اللَّقَانِيُّ الْوِلَايَةُ لَا تُكْتَسَبُ بِحَالٍ كَالنُّبُوَّةِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ ادَّعَى أَنَّهُ يَصْعَدُ لِلسَّمَاءِ) أَيْ وَكَذَا إذَا ادَّعَى مُجَالَسَةَ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَوْ مُكَالَمَتَهُ فَهُوَ كَافِرٌ كَمَا فِي الشِّفَاءِ وَهَذَا إذَا أَرَادَ بِالْمُكَالَمَةِ الْمَعْنَى الْمُتَبَادِرَ مِنْهَا وَكَذَلِكَ الْمُجَالَسَةُ لَا الْمُكَالَمَةُ عِنْدَ الصُّوفِيَّةِ مِنْ إلْقَاءِ النُّورِ فِي قُلُوبِهِمْ وَإِلْهَامِهِمْ سِرًّا لَا يَخْرُجُ عَنْ الشَّرْعِ فَدَعْوَى الْمُكَالَمَةِ بِهَذَا الْمَعْنَى لَا يَضُرُّ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الشَّاذِلِيُّ يَقُولُ: قِيلَ لِي كَذَا وَحُدِّثْتُ بِكَذَا أَيْ أُلْهِمْته، وَكَذَا إذَا أُرِيدَ بِالْمُجَالَسَةِ التَّذَلُّلَ وَالْخُضُوعَ وَمُلَاحَظَةَ أَنَّهُ بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ فَلَا يَضُرُّ.
(قَوْلُهُ: بِجَسَدِهِ) أَيْ وَأَمَّا لَوْ ادَّعَى صُعُودَ رُوحِهِ لِلسَّمَاءِ فَلَا يَكْفُرُ بِذَلِكَ. (قَوْلُهُ: أَوْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ) أَيْ أَوْ النَّارَ كَمَا بَحَثَهُ الشَّعْرَاوِيُّ.
(قَوْلُهُ: فَتَأَمَّلْ) كَأَنَّهُ أَمَرَ بِالتَّأَمُّلِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْقَوْلِ بِكُفْرِ مَنْ ادَّعَى أَنَّهُ يَصْعَدُ لِلسَّمَاءِ أَوْ يُعَانِقُ الْحُورَ الْعَيْنَ لَكِنْ النَّقْلُ مُتَّبَعٌ (قَوْلُهُ: أَوْ اسْتَحَلَّ كَالشُّرْبِ) أَيْ اعْتَقَدَ بِقَلْبِهِ حِلَّ كَالشُّرْبِ (قَوْلُهُ: مُجْمَعٍ عَلَى إبَاحَتِهِ) أَيْ كَأَكْلِ الْعِنَبِ وَقَوْلُهُ: مُجْمَعٍ عَلَى وُجُوبِهِ أَيْ كَالزَّكَاةِ وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ (قَوْلُهُ: فَلَوْ قَالَ أَوْ جَحَدَ حُكْمًا) الْأَوْلَى أَمْرًا عُلِمَ إلَخْ لِأَجْلِ الْمُخْرِجَاتِ الْآتِيَةِ فَإِنَّ بَعْضَهَا حُكْمٌ وَبَعْضَهَا غَيْرُ حُكْمٍ.
(قَوْلُهُ: عُلِمَ مِنْ الدِّينِ ضَرُورَةً) أَيْ عُلِمَ ضَرُورَةً حَالَةَ كَوْنِهِ مِنْ الدِّينِ أَيْ عُلِمَ عِلْمًا يُشْبِهُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ فِي مَعْرِفَةِ الْعَامِّ وَالْخَاصِّ لَهُ؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ الدِّينِ نَظَرِيَّةٌ فِي الْأَصْلِ لَا ضَرُورِيَّةٌ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَتَضَمَّنُ) أَيْ جَحْدُهُ تَكْذِيبَ قُرْآنٍ إلَخْ (قَوْلُهُ: أَوْ وُجُودِ بَغْدَادَ إلَخْ) أَيْ فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ مَعْلُومَةٌ بِالضَّرُورَةِ وَلَيْسَتْ مِنْ الدِّينِ إذْ لَا يَتَضَمَّنُ جَحْدُهَا تَكْذِيبَ قُرْآنٍ وَلَا نَبِيٍّ.
(قَوْلُهُ: أَوْ فِرْعَوْنَ) أَيْ أَوْ غَزْوَةِ بَدْرٍ أَوْ أُحُدٍ أَوْ صُحْبَةِ أَبِي بَكْرٍ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ تَكْذِيبٌ لِلْقُرْآنِ) أَيْ فَوُجُودُ مَا ذُكِرَ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ مِنْ الدِّينِ يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ لِأَنَّ إنْكَارَهُ يُؤَدِّي لِتَكْذِيبِ الْقُرْآنِ لَا يُقَالُ هَذَا ظَاهِرٌ فِي إنْكَارِ غَيْرِ صُحْبَةِ أَبِي بَكْرٍ لَا فِيهَا؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ} [التوبة: 40] وَلَيْسَ فِيهِ تَعْيِينٌ لَهُ لِأَنَّا نَقُولُ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ وَالْحَقُّ أَنَّ إنْكَارَ وُجُودِ أَبِي بَكْرٍ رِدَّةٌ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ إنْكَارِ وُجُودِهِ إنْكَارُ صُحْبَتِهِ لُزُومًا بَيِّنًا وَقَدْ عَلِمْت