وَلَيْسَ بِكُفْرٍ (وَسِحْرٍ) عَرَّفَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ بِأَنَّهُ كَلَامٌ يُعَظَّمُ بِهِ غَيْرُ اللَّهِ وَيُنْسَبُ إلَيْهِ الْمَقَادِيرُ وَالْكَائِنَاتُ ذَكَرَهُ فِي التَّوْضِيحِ وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْإِمَامِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إنَّ تَعَلُّمَ السِّحْرِ وَتَعْلِيمَهُ كُفْرٌ، وَإِنْ لَمْ يُعْمَلْ بِهِ ظَاهِرٌ فِي الْغَايَةِ إذْ تَعْظِيمُ الشَّيَاطِينِ وَنِسْبَةُ الْكَائِنَاتِ إلَيْهَا لَا يَسْتَطِيعُ عَاقِلٌ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ أَنْ يَقُولَ فِيهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِكُفْرٍ وَأَمَّا إبْطَالُهُ، فَإِنْ كَانَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا وَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى إبْطَالِهِ حِينَئِذٍ، وَالسِّحْرُ يَقَعُ بِهِ تَغْيِيرُ أَحْوَالٍ وَصِفَاتٍ وَقَلْبُ حَقَائِقَ، فَإِنْ وَقَعَ مَا ذُكِرَ بِآيَاتٍ قُرْآنِيَّةٍ أَوْ أَسْمَاءٍ إلَهِيَّةٍ فَظَاهِرٌ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِكُفْرٍ لَكِنَّهُ يَحْرُمُ إنْ أَدَّى إلَى عَدَاوَةٍ أَوْ ضَرَرٍ فِي نَفْسٍ أَوْ مَالٍ وَفِيهِ الْأَدَبُ وَإِذَا حُكِمَ بِكُفْرِ السَّاحِرِ، فَإِنْ كَانَ مُتَجَاهِرًا بِهِ قُتِلَ وَمَالُهُ فَيْءٌ مَا لَمْ يَتُبْ، وَإِنْ كَانَ يُسِرُّهُ قُتِلَ مُطْلَقًا كَالزِّنْدِيقِ كَمَا يَأْتِي (وَقَوْلٍ بِقِدَمِ الْعَالَمِ) وَهُوَ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ صَانِعٌ أَوْ أَنَّ وَاجِبَ الْوُجُودِ تَعَالَى عِلَّةٌ فِيهِ وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي تَكْذِيبِ الْقُرْآنِ وَتَكْذِيبِ الرَّسُولِ (أَوْ بَقَائِهِ) ، وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ حَادِثٌ لِمَا فِيهِ مِنْ تَكْذِيبِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ (أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ) أَيْ أَتَى بِمَا يَدُلُّ عَلَى شَكِّهِ فِي ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ فِعْلٍ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ أَوْ لَفْظٍ يَقْتَضِيه أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ (أَوْ) قَوْلٍ (بِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ) بِمَعْنَى أَنَّ مَنْ مَاتَ فَإِنَّ رُوحَهُ تَنْتَقِلُ إلَى مِثْلِهِ أَوْ أَعْلَى مِنْهُ إنْ كَانَتْ مِنْ مُطِيعٍ، فَإِنْ كَانَتْ مِنْ عَاصٍ انْتَقَلَتْ إلَى مِثْلِهِ أَوْ أَدْنَى كَكَلْبٍ أَوْ هِرٍّ وَهَكَذَا إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ وَقِيلَ إلَى أَنْ تَصِلَ الْأُولَى إلَى الْجَنَّةِ وَالثَّانِيَةُ إلَى النَّارِ فَهُمْ يُنْكِرُونَ الْبَعْثَ وَالْحَشْرَ وَمَا ثَبَتَ عَنْ الشَّارِعِ مِنْ الْقِيَامَةِ وَمَا فِيهَا (أَوْ) بِقَوْلِهِ (فِي كُلِّ جِنْسٍ) مِنْ أَجْنَاسِ الْحَيَوَانِ أَيْ أَنْوَاعِهِ حَتَّى الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ وَالدُّودُ (نَذِيرٌ) أَيْ نَبِيٌّ يُنْذِرُهُمْ فَيَكْفُرُ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ أَجْنَاسَ الْحَيَوَانَاتِ كُلَّهَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ كعبق.
(قَوْلُهُ: وَلَيْسَ بِكُفْرٍ) أَيْ، وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ لِضَرُورَةٍ كَأَسِيرٍ عِنْدَهُمْ يَضْطَرُّ إلَى اسْتِعْمَالِ ثِيَابِهِمْ فَلَا حُرْمَةَ عَلَيْهِ فَضْلًا عَنْ الرِّدَّةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَرْزُوقٍ.
(قَوْلُهُ: وَسِحْرٍ) أَيْ وَمُبَاشَرَةِ سِحْرٍ سَوَاءٌ كَانَتْ تِلْكَ الْمُبَاشَرَةُ مِنْ جِهَةِ تَعَلُّمِهِ أَوْ تَعْلِيمِهِ أَوْ عَمَلِهِ.
(قَوْلُهُ: ظَاهِرٌ فِي الْغَايَةِ) أَيْ فِي غَايَةِ الظُّهُورِ خِلَافًا لِاسْتِشْكَالِ عبق لَهُ.
(قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَإِلَّا يَكُنْ إبْطَالُهُ بِسِحْرٍ بَلْ بِآيَاتٍ أَوْ دَعَوَاتٍ نَبَوِيَّةٍ فَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ.
(قَوْلُهُ: وَيَجُوزُ الِاسْتِئْجَارُ عَلَى إبْطَالِهِ حِينَئِذٍ) أَيْ حِينَ إذْ كَانَ إبْطَالُهُ بِغَيْرِ سِحْرٍ (قَوْلُهُ: تَغْيِيرُ أَحْوَالٍ) أَيْ كَتَغْيِيرِ حَالِ الشَّخْصِ مِنْ الصِّحَّةِ لِلْمَرَضِ (قَوْلُهُ: وَقَلْبُ حَقَائِقَ) أَيْ كَقَلْبِ الْإِنْسَانِ حِمَارًا أَوْ تِمْسَاحًا.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ وَقَعَ مَا ذُكِرَ) أَيْ مِنْ تَغْيِيرِ الْأَحْوَالِ وَالصِّفَاتِ.
(قَوْلُهُ: فَظَاهِرٌ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِكُفْرٍ) أَيْ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسِحْرٍ، وَإِنْ حَصَلَ بِهَا مَا يَحْصُلُ بِالسِّحْرِ.
(قَوْلُهُ: إنْ أَدَّى إلَى عَدَاوَةٍ) أَيْ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ أَوْ الصَّدِيقَيْنِ مَثَلًا وَفُرْقَةٍ بَيْنَهُمَا (قَوْلُهُ: أَوْ ضَرَرٍ فِي نَفْسٍ) أَيْ كَتَسْلِيطِ حُمَّى أَوْ رَمَدٍ أَوْ ضَارِبٍ أَوْ رَبْطِ زَوْجٍ عَنْ زَوْجَتِهِ.
(قَوْلُهُ: أَوْ مَالٍ) أَيْ كَتَسْلِيطِ رَجْمٍ عَلَى الْبَيْتِ بِكَسْرِ أَوَانِيهِ مَثَلًا وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ إنْ أَدَّى لِعَدَاوَةٍ إلَخْ أَنَّهُ إنْ أَدَّى لِعَطْفٍ وَمَحَبَّةٍ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا حُرْمَةَ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: مَا لَمْ يَتُبْ) أَيْ فَإِنْ تَابَ فَلَا يُقْتَلُ وَلَا يُؤْخَذُ مَالُهُ (قَوْلُهُ: كَالزِّنْدِيقِ) أَيْ فَإِنَّهُ تُقْتَلُ وَلَا يُقْبَلُ لَهُ تَوْبَةٌ.
(قَوْلُهُ: وَقَوْلٍ بِقِدَمِ الْعَالَمِ) أَيْ سَوَاءٌ قَالَ إنَّهُ قَدِيمٌ بِالذَّاتِ أَوْ بِالزَّمَانِ كَمَا يَقُولُ الْفَلَاسِفَةُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقِدَمَ عِنْدَ الْفَلَاسِفَةِ قِسْمَانِ قِدَمٌ بِالذَّاتِ وَهُوَ الِاسْتِغْنَاءُ عَنْ الْمُؤَثِّرِ وَهَذَا لَا يَكُونُ، إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى وَقِدَمٌ زَمَانِيٌّ وَهُوَ عَدَمُ الْمَسْبُوقِيَّةِ بِالْعَدَمِ كَانَ هُنَاكَ اسْتِنَادٌ لِمُؤَثِّرٍ أَمْ لَا، فَالثَّانِي أَعَمُّ مِنْ الْأَوَّلِ فَالْمَوْلَى عِنْدَهُمْ قَدِيمٌ بِالذَّاتِ وَالزَّمَانِ وَالْأَفْلَاكُ وَالْعَنَاصِرُ وَأَنْوَاعُ الْحَيَوَانَاتِ وَالنَّبَاتَاتِ وَالْمَعَادِنِ قَدِيمَةٌ بِالزَّمَانِ لَا بِالذَّاتِ وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ عِنْدَهُمْ غَيْرَ مَسْبُوقَةٍ بِالْعَدَمِ؛ لِأَنَّ ذَاتَ الْوَاجِبِ أَثَّرَتْ فِيهَا بِالْعِلَّةِ فَلَا أَوَّلَ لَهَا (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ) أَيْ قِدَمَ الْعَالَمِ وَقَوْلُهُ: يُؤَدِّي إلَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ صَانِعٌ أَيْ أَصْلًا إنْ كَانَ الْقِدَمُ ذَاتِيًّا وَقَوْلُهُ: أَوْ أَنْ إلَخْ أَيْ أَوْ يُؤَدِّي إلَى أَنَّ وَاجِبَ الْوُجُودِ الَّذِي هُوَ صَانِعُهُ عِلَّةٌ فِيهِ أَيْ إنْ كَانَ الْقِدَمُ زَمَانِيًّا أَلَا تَرَى أَنَّ الْفَلَاسِفَةَ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ قِدَمًا زَمَانِيًّا، يَقُولُونَ: إنَّ وَاجِبَ الْوُجُودِ عِلَّةٌ فِيهِ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ يَسْتَلْزِمُ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ الْفَاعِلَ بِالْعِلَّةِ عِنْدَهُمْ غَيْرُ مُخْتَارٍ فَيَجِبُ وُجُودُ مَعْلُولِهِ مَعَ وُجُودِهِ أَلْبَتَّةَ.
(قَوْلُهُ: أَوْ بَقَائِهِ) أَيْ أَوْ قَوْلٍ بِبَقَائِهِ وَأَنَّهُ لَا يَفْنَى كَمَا تَقُولُ الدَّهْرِيَّةُ وَإِنَّمَا عَطْفُ بَقَائِهِ بِأَوْ، وَإِنْ اسْتَلْزَمَهُ الْقِدَمُ؛ لِأَنَّهُ يَكْفُرُ بِقَوْلِ أَحَدِهِمَا وَلَوْ مَعَ عَدَمِ مُلَاحَظَتِهِ لِلْآخَرِ وَإِنَّمَا كَانَ الْقِدَمُ مُسْتَلْزِمًا لِلْبَقَاءِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَا ثَبَتَ قِدَمُهُ اسْتَحَالَ عَدَمُهُ وَكُلُّ مَا اسْتَحَالَ عَدَمُهُ وَجَبَ بَقَاؤُهُ وَأَمَّا الْبَقَاءُ فَلَا يَسْتَلْزِمُ الْقِدَمَ إذْ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ بَاقِيَتَانِ مَعَ أَنَّهُمَا مَخْلُوقَتَانِ (قَوْلُهُ: أَوْ شَكَّ فِي ذَلِكَ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّنْ يُظَنُّ بِهِ الْعِلْمُ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ لَا يُعْذَرُ فِي مُوجِبَاتِ الْكُفْرِ بِالْجَهْلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْحَسَنِ فِي شَرْحِ الرِّسَالَةِ. (قَوْلُهُ: بِمَعْنَى إنْ مَاتَ إلَخْ) هَذَا تَفْسِيرٌ لِتَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ.
(قَوْلُهُ: وَهَكَذَا إلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ) أَيْ فَيَسْتَوْفِي الرُّوحَ جَزَاءَهَا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ فِي الْقَالِبِ الَّذِي انْتَقَلَتْ إلَيْهِ وَلَا حَشْرَ وَلَا نَشْرَ وَلَا جَنَّةَ وَلَا نَارَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ وَهُوَ تَكْذِيبٌ لِلشَّرِيعَةِ.
(قَوْلُهُ: وَقِيلَ) أَيْ فِي مَعْنَى تَنَاسُخِ الْأَرْوَاحِ (قَوْلُهُ: إلَى أَنْ تَصِلَ الْأُولَى) أَيْ رُوحُ الْمُطِيعِ أَيْ أَنَّهَا تَنْتَقِلُ بَعْدَ مَوْتِ صَاحِبِهَا لِمُمَاثِلٍ لَهُ أَوْ أَعْلَى وَهَكَذَا إلَى أَنْ تَصِلَ لِلْجَنَّةِ وَقَوْلُهُ: وَالثَّانِيَةُ أَيْ رُوحُ الْعَاصِي تَنْتَقِلُ بَعْدَ مَوْتِ صَاحِبِهَا لِمُمَاثِلٍ أَوْ أَدْنَى وَهَكَذَا إلَى أَنْ تَصِلَ إلَى النَّارِ وَقَوْلُهُ: