نَقَصَتْ الْغَلَّةُ فَلَيْسَ لِلْغَاصِبِ الطَّلَبُ بِالزَّائِدِ لِظُلْمِهِ، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى النَّفَقَةِ كَانَ لِرَبِّهِ أَخْذُ مَا زَادَ فَقَوْلُهُ وَمَا أَنْفَقَ فِي الْغَلَّةِ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ فَيُفِيدُ الْحَصْرَ أَيْ وَاَلَّذِي أَنْفَقَهُ كَائِنٌ فِي الْغَلَّةِ فَلَا يَرْجِعُ بِالزَّائِدِ عَلَى رَبِّهِ وَلَا فِي رَقَبَةِ الْمَغْصُوبِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَلَّةٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى رَبِّهِ فَالنَّفَقَةُ مَحْصُورَةٌ فِي الْغَلَّةِ وَلَيْسَتْ الْغَلَّةُ مَحْصُورَةً فِي النَّفَقَةِ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لِلْغَاصِبِ لِتَعَدِّيهِ وَلِرَبِّهِ أَخْذُ الْغَلَّةِ بِتَمَامِهَا مُطْلَقًا أُنْفِقَ، أَوْ لَا وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ غَلَّةَ الْحَيَوَانِ الَّتِي نَشَأَتْ عَنْ تَحْرِيكِ الْغَاصِبِ كَالرُّكُوبِ، وَالْحَمْلِ وَأُجْرَةِ ذَلِكَ تَكُونُ لِلْغَاصِبِ بِخِلَافِ اللَّبَنِ، وَالسَّمْنِ، وَالصُّوفِ وَبِخِلَافِ غَلَّةِ الْعَقَارِ كَمَا تَقَدَّمَ لَا يَحْسُنُ جَعْلُ النَّفَقَةِ فِي الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّ غَلَّةَ الْحَيَوَانِ الْمَذْكُورَةَ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَالنَّفَقَةُ تَضِيعُ عَلَيْهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ،.
وَلَمَّا قَدَّمَ أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا أَتْلَفَ مُقَوَّمًا لَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ أَشَارَ هُنَا إلَى أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ، بَلْ ذَاكَ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْطِ رَبَّ الْمَغْصُوبِ فِيمَا غُصِبَ مِنْهُ عَطَاءً مُتَّحِدًا مِنْ مُتَعَدِّدٍ كَعَشَرَةٍ مِنْ إنْسَانٍ، وَأَمَّا إنْ أُعْطِيَ فِيهِ مِنْ مُتَعَدِّدٍ عَطَاءً وَاحِدًا فَفِيهِ خِلَافٌ بِقَوْلِهِ (وَهَلْ) يَلْزَمُ الْغَاصِبَ الْمُتْلِفَ لِمُقَوَّمٍ الثَّمَنُ الْمُعْطَى فِيهِ دُونَ الْقِيمَةِ (إنْ أَعْطَاهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَغْصُوبِ الْمُقَوَّمِ إنْسَانٌ (مُتَعَدِّدٌ عَطَاءً) وَاحِدًا كَعَشَرَةٍ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا، أَوْ مِنْهُمْ (فَبِهِ) أَيْ فَيَلْزَمُهُ بِهِ (أَوْ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُ وَمِنْ الْقِيمَةِ) فَأَيُّهُمَا أَكْثَرُ يَلْزَمُهُ (تَرَدُّدٌ) الْأَوَّلُ لِمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ، وَالثَّانِي لِعِيسَى وَرُجِّحَ كُلٌّ فَالتَّرَدُّدُ لَيْسَ عَلَى طَرِيقَتِهِ فَلَوْ تَعَدَّدَ الْعَطَاءُ بِقَلِيلٍ وَكَثِيرٍ فَالْقِيمَةُ عَلَى مُقْتَضَى ظَاهِرِ الْمُصَنِّفِ، وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي، وَالْخِلَافُ الْمَذْكُورُ جَارٍ أَيْضًا فِيمَا إذَا أُتْلِفَ مُقَوَّمٌ وُقِفَ عَلَى ثَمَنٍ مِنْ مُتَعَدِّدٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَغْصُوبًا.
(وَإِنْ وَجَدَ) الْمَغْصُوبُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَإِنْ كَانَ يَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِمَنْ عِنْدَهُ مِنْ الْعَبِيدِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَهُ أَصْبَغُ وَنَقَلَهُ أَيْضًا ابْنُ عَرَفَةَ عَنْ اللَّخْمِيِّ (قَوْلُهُ، وَإِنْ زَادَتْ) أَيْ الْغَلَّةُ (قَوْلُهُ فَلَا يَرْجِعُ) أَيْ الْغَاصِبُ بِالزَّائِدِ أَيْ بِزَائِدِ النَّفَقَةِ (قَوْلُهُ فَالنَّفَقَةُ مَحْصُورَةٌ فِي الْغَلَّةِ) أَيْ لَا تَتَعَدَّاهَا لِذِمَّةِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ وَلَا لِرَقَبَةِ الْمَغْصُوبِ وَحِينَئِذٍ فَلَا يَرْجِعُ الْغَاصِبُ بِزَائِدِ النَّفَقَةِ عَلَى رَبِّهِ وَلَا فِي رَقَبَتِهِ كَمَا مَرَّ.
(قَوْلُهُ وَلَيْسَتْ الْغَلَّةُ مَحْصُورَةً فِي النَّفَقَةِ) أَيْ، بَلْ تَتَعَدَّاهَا لِلْغَاصِبِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا زَادَتْهُ الْغَلَّةُ عَلَى النَّفَقَةِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنَّهُ لَوْ زَادَتْ الْغَلَّةُ عَلَى النَّفَقَةِ فَإِنَّهُ لَا يَرْجِعُ الْمَالِكُ بِزَائِدِ الْغَلَّةِ عَلَى الْغَاصِبِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (قَوْلُهُ، وَالْمَنْقُولُ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ تَرْجِيحُ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لِلْغَاصِبِ) هَذَا الْقَوْلُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ، قَالَ بْن وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ الَّذِي فِي الْمُدَوَّنَةِ أَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ، وَإِنْ ظَلَمَ لَا يُظْلَمُ، وَلَمْ أَجِدْ فِي ابْنِ عَرَفَةَ تَرْجِيحَ ذَلِكَ الْقَوْلِ (قَوْلُهُ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ غَلَّةَ الْحَيَوَانِ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ وَمَا أَنْفَقَ فِي الْغَلَّةِ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى الرَّاجِحِ مِنْ أَنَّ غَلَّةَ الْمَغْصُوبِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ عَقَارًا أَوْ حَيَوَانًا، لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ، كَانَتْ غَلَّةُ الْحَيَوَانِ تَتَوَقَّفُ عَلَى تَحْرِيكٍ أَمْ لَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ الْغَلَّةُ لَازِمَةً لِلْغَاصِبِ مَا صَحَّ قَوْلُهُ، وَالنَّفَقَةُ فِي الْغَلَّةِ أَيْ تُحْسَبُ لِلْغَاصِبِ مِنْ أَصْلِ مَا لَزِمَهُ مِنْ الْغَلَّةِ.
وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي مِنْ أَنَّ الْغَلَّةَ الَّتِي تَكُونُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ إنَّمَا هِيَ غَلَّةُ الْعَقَارِ إذَا اسْتَعْمَلَهُ وَكَذَا غَلَّةُ الْحَيَوَانِ الَّتِي لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى تَحْرِيكٍ، وَأَمَّا غَلَّةُ الْحَيَوَانِ الْمُتَوَقِّفَةُ عَلَى تَحْرِيكٍ فَهِيَ لِلْغَاصِبِ فَلَا يَتَأَتَّى أَنْ يُقَالَ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ فِي الْغَلَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، بَلْ بِالنِّسْبَةِ لِلْقِسْمِ الْأَوَّلِ لَا بِالنِّسْبَةِ لِلْقِسْمِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْغَلَّةَ لِلْغَاصِبِ لَا لِرَبِّهِ (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ غَلَّةِ الْعَقَارِ) أَيْ فَإِنَّهَا تَكُونُ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ لَا لِلْغَاصِبِ.
(قَوْلُهُ وَلَمَّا قَدَّمَ إلَخْ) أَيْ فِي قَوْلِهِ، وَإِنْ صُنِعَ كَغَزْلٍ وَحُلِيٍّ وَغَيْرِ مِثْلِيٍّ فَقِيمَتُهُ يَوْمَ غَصْبِهِ (قَوْلُهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْطِ رَبَّ الْمَغْصُوبِ فِيمَا غَصَبَ مِنْهُ عَطَاءً مُتَّحِدًا مِنْ مُتَعَدِّدٍ) هَذَا صَادِقٌ بِأَرْبَعِ صُوَرٍ إذَا لَمْ يُعْطَ فِيهِ شَيْءٌ أَصْلًا، أَوْ أُعْطِيَ فِيهِ عَطَاءٌ مُتَّحِدٌ مِنْ وَاحِدٍ، أَوْ عَطَاءٌ مُخْتَلِفٌ مِنْ مُتَعَدِّدٍ، أَوْ مِنْ وَاحِدٍ (قَوْلُهُ، وَهَلْ إلَخْ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُقَوَّمَ الْمَغْصُوبَ الَّذِي أَتْلَفَهُ الْغَاصِبُ إذَا كَانَ أُعْطِيَ فِيهِ ثَمَنٌ وَاحِدٌ مِنْ مُتَعَدِّدٍ كَأَنْ أَعْطَى فِيهِ زَيْدٌ عَشَرَةً وَكَذَلِكَ أَعْطَى فِيهِ عَمْرٌو عَشَرَةً فَهَلْ اللَّازِمُ لِذَلِكَ الْغَاصِبِ تِلْكَ الْعَشَرَةُ فَقَطْ، أَوْ اللَّازِمُ لَهُ الْأَكْثَرُ مِنْ تِلْكَ الْعَشَرَةِ، وَالْقِيمَةِ؟ قَوْلَانِ (قَوْلُهُ الْمُتْلِفَ لِمُقَوَّمٍ إلَخْ) أَيْ.
وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْمَغْصُوبُ الْمُقَوَّمُ الَّذِي أُعْطِيَ فِيهِ عَطَاءٌ وَاحِدٌ مِنْ مُتَعَدِّدٍ لَمْ يَتْلَفْ عِنْدَ الْغَاصِبِ، وَإِنَّمَا فَاتَ عِنْدَهُ بِغَيْرِ التَّلَفِ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْغَاصِبَ قِيمَتُهُ اتِّفَاقًا كَمَا هُوَ مُسْتَفَادٌ مِنْ جَعْلِهِمْ الْخِلَافَ الْمَذْكُورَ فِي الْمُصَنِّفِ فِيمَا أُتْلِفَ اُنْظُرْ عبق (قَوْلُهُ لَيْسَ عَلَى طَرِيقَتِهِ) أَيْ؛ لِأَنَّ طَرِيقَتَهُ أَنْ يُشِيرَ بِالتَّرَدُّدِ لِتَرَدُّدِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِي النَّقْلِ عَنْ الْمُتَقَدِّمِينَ، أَوْ لِعَدَمِ نَصِّ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَهُنَا وُجِدَ نَصٌّ لِلْمُتَقَدِّمِينَ كَمَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ وَعِيسَى وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمُتَأَخِّرُونَ فِي النَّقْلِ عَنْهُمْ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَشَارَ بِالتَّرَدُّدِ لِلْخِلَافِ الْوَاقِعِ بَيْنَ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ فِي كَوْنِ قَوْلِ عِيسَى مُقَابِلًا لِقَوْلِ الْإِمَامَيْنِ ضَعِيفًا، أَوْ هُوَ مُقَيِّدٌ لِقَوْلِهِمَا، وَتَوْضِيحُهُ أَنَّ الْإِمَامَ قَالَ فِي الْعُتْبِيَّةِ إذَا أُعْطِيَ فِي الْمُقَوَّمِ الْمَغْصُوبِ عَطَاءٌ مُتَّحِدٌ مِنْ مُتَعَدِّدٍ، وَأَتْلَفَهُ الْغَاصِبُ ضَمِنَ الْعَطَاءَ وَلَا يُنْظَرُ لِلْقِيمَةِ، وَقَالَ عِيسَى يَضْمَنُ الْأَكْثَرَ مِنْ الْعَطَاءِ، وَالْقِيمَةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ مَالِكٍ وَلَا يُنْظَرُ لِلْقِيمَةِ مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الْعَطَاءِ فَتَكُونَ لَهُ الْقِيمَةُ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ عِيسَى مُفَسِّرٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ رُشْدٍ إنَّ قَوْلَ مَالِكٍ بَاقٍ عَلَى إطْلَاقِهِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُهُ وَحِينَئِذٍ فَقَوْلُ عِيسَى مُقَابِلٌ فَظَهَرَ لَك أَنَّ التَّرَدُّدَ بَيْنَ ابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِ فِي فَهْمِ كَلَامِ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ لَا يُؤَدِّي هَذَا الْمَعْنَى فَلَوْ قَالَ وَعَنْ مَالِكٍ إنْ أَعْطَاهُ فِيهِ مُتَعَدِّدٌ عَطَاءً فَبِهِ، وَهَلْ عَلَى ظَاهِرِهِ، أَوْ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُ وَمِنْ الْقِيمَةِ؟ تَرَدُّدٌ كَانَ وَاضِحًا، وَلَمَّا كَانَ الْخِلَافُ فِي فَهْمِ كَلَامِ الْعُتْبِيَّةِ لَا الْمُدَوَّنَةِ لَمْ يُعَبَّرْ بِتَأْوِيلَانِ، فَإِنْ قُلْت هَذَا الْكَلَامُ