فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ يَعْنِي أَنَّ مَحَلَّ جَوَازِ الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ إنْ شَرَطَ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ أَنْ يُقِيمَ بِهِ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ لَا يَخْرُجَ بِهِ لِبِلَادِ الْحَرْبِ لِئَلَّا يَعُودَ جَاسُوسًا أَوْ يُطْلِعَ الْحَرْبِيِّينَ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ وَلَمْ يَصِحَّ، وَإِنْ أَقَامَ بِالْفِعْلِ، كَذَا اسْتَظْهَرَ (لَا) بَالِغٌ عَلَى (غَيْرِهِ) أَيْ عَلَى غَيْرِ دِينِ مُشْتَرِيهِ فَلَا يَجُوزُ (عَلَى الْمُخْتَارِ) وَقَوْلُهُ (وَالصَّغِيرُ عَلَى الْأَرْجَحِ) الصَّوَابُ حَذْفُهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ عُطِفَ عَلَى بَالِغٍ أَيْ وَلَهُ شِرَاءُ الصَّغِيرِ أَيْ إنْ كَانَ عَلَى دِينِهِ كَمَا هُوَ أَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ خَالَفَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الرَّاجِحِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِابْنِ يُونُسَ فِيهِ تَرْجِيحٌ، وَإِنَّمَا هُوَ لِابْنِ الْمَوَّازِ وَاخْتَارَهُ اللَّخْمِيُّ، وَإِنْ عُطِفَ عَلَى الْمَنْفِيِّ أَيْ غَيْرُهُ كَانَ الْمَعْنَى لَا يَجُوزُ شِرَاءُ الصَّغِيرِ وَهُوَ عَيْنُ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَصَغِيرٌ لِكَافِرٍ وَهُوَ نَصُّ الْمُدَوَّنَةِ وَلَيْسَ لِابْنِ يُونُسَ فِيهِ أَيْضًا تَرْجِيحٌ.
وَأَشَارَ لِلرُّكْنِ الثَّالِثِ وَهُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ بِذِكْرِ شُرُوطِهِ وَذَكَرَ أَنَّهَا سِتَّةٌ بِقَوْلِهِ (وَشُرِطَ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) أَيْ شُرِطَ لِصِحَّةِ بَيْعِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ثَمَنًا أَوْ مُثَمَّنًا (طَهَارَةٌ) وَانْتِفَاعٌ بِهِ وَإِبَاحَةٌ وَقُدْرَةٌ عَلَى تَسْلِيمِهِ وَعَدَمِ نَهْيٍ وَجَهْلٍ بِهِ، وَقَوْلُهُ: طَهَارَةٌ أَيْ أَصْلِيَّةٌ بَاقِيَةٌ أَوْ عَرَضَ لَهَا نَجَاسَةٌ يُمْكِنُ إزَالَتُهَا كَالثَّوْبِ إذَا تَنَجَّسَ وَيَجِبُ تَبْيِينُهُ مُطْلَقًا جَدِيدًا أَوْ لَا يُفْسِدُهُ الْغُسْلُ أَوْ لَا كَانَ الْمُشْتَرِي يُصَلِّي أَوْ لَا؛ لِأَنَّ النُّفُوسَ تَكْرَهُهُ، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ وَجَبَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ.
(لَا) يَصِحُّ بَيْعُ مَا نَجَاسَتُهُ أَصْلِيَّةٌ أَوْ لَا يُمْكِنُ طَهَارَتُهُ (كَزِبْلٍ) مِنْ غَيْرِ الْمُبَاحِ، وَلَوْ مَكْرُوهًا وَعَظْمِ مَيْتَةٍ وَجِلْدِهَا، قَوْلُهُ: وَلَوْ دُبِغَ (و) ك (زَيْتٍ) وَسَمْنٍ وَعَسَلٍ (تَنَجَّسَ) مِمَّا لَا يَقْبَلُ التَّطْهِيرَ اخْتِيَارًا، وَأَمَّا اضْطِرَارًا كَخَمْرٍ لِإِزَالَةِ غُصَّةٍ فَيَصِحُّ.
(وَانْتِفَاعٌ) بِهِ انْتِفَاعًا شَرْعِيًّا، وَلَوْ قَلَّ كَتُرَابٍ (لَا كَمُحَرَّمٍ) أَكْلُهُ (أَشْرَفَ) عَلَى الْمَوْتِ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ السِّيَاقِ أَيْ النَّزْعَ لِعَدَمِ الِانْتِفَاعِ بِهِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQحِينَ الْبَيْعِ الْإِقَامَةَ بِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا هُوَ أَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ) أَيْ السَّابِقَيْنِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ: خَالَفَ مَا تَقَدَّمَ) أَيْ لِمَا مَرَّ أَنَّ الرَّاجِحَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَهُوَ مَنْعُ بَيْعِ الصَّغِيرِ لِلْكَافِرِ مُطْلَقًا كَانَ مَجُوسِيًّا أَوْ كِتَابِيًّا عَلَى دَيْنِ مُشْتَرِيهِ أَمْ لَا كَانَ مَعَهُ أَبُوهُ أَمْ لَا (قَوْلُهُ: وَهُوَ عَيْنُ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَصَغِيرٌ لِكَافِرٍ) أَيْ فَيَكُونُ مُكَرَّرًا وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ بِاخْتِيَارٍ عَطَفَهُ عَلَى النَّفْيِ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ عَيْنُ قَوْلِهِ فِيمَا مَرَّ وَصَغِيرٌ لِكَافِرٍ لَكِنَّهُ كَرَّرَهُ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ التَّرْجِيحِ نَعَمْ التَّرْجِيحُ هُنَا لَيْسَ لِابْنِ يُونُسَ بَلْ لِعِيَاضٍ فَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ عَلَى الْأَصَحِّ
(قَوْلُهُ: وَعَدَمُ نَهْيٍ) أَيْ عَنْ بَيْعِهِ (قَوْلُهُ: وَجَهْلٍ بِهِ) أَيْ وَعَدَمُ جَهْلٍ بِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ أَصْلِيَّةٌ بَاقِيَةٌ إلَخْ) فِيهِ أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَى مَفْهُومِهِ الْخَمْرُ إذَا تَحَجَّرَ أَوْ خُلِّلَ فَلَوْ قَالَ عِوَضٌ أَصْلِيَّةٌ بَاقِيَةٌ أَوْ عَرَضٌ إلَخْ حَالِيَّةٌ أَوْ مَآلِيَّةٌ أَوْ يَقُولُ: حَاصِلَةٌ أَوْ مُسْتَحْصِلَةٌ لَكَانَ ظَاهِرًا وَيَدْخُلُ الثَّوْبُ الْمُتَنَجِّسُ وَلَا يَدْخُلُ الْخَمْرُ فِي قَوْلِنَا أَوْ مَآلِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَحَجَّرَ أَوْ خُلِّلَ لَا يَبْقَى خَمْرًا فَهُوَ مَا دَامَ خَمْرًا لَا يَطْهُرُ أَبَدًا تَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: أَوْ عُرِضَ لَهَا) لَعَلَّ الْأَوْلَى لَهُ أَيْ لِلْمَعْقُودِ عَلَيْهِ الْمُتَّصِفِ بِالطَّهَارَةِ الْأَصْلِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ تَبْيِينُهُ) أَيْ مَا ذَكَرَ مِنْ النَّجَاسَةِ، وَلَوْ قَالَ: تَبْيِينَهَا كَانَ أَوْضَحَ.
(قَوْلُهُ: وَجَبَ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارُ) أَيْ وَلَوْ كَانَ لَا يُصَلِّي وَلَا يَنْقُصُ الثَّوْبَ الْغُسْلُ عَلَى مَا اسْتَظْهَرَهُ ح
(قَوْلُهُ: أَوَّلًا يُمْكِنُ طَهَارَتُهُ) أَيْ أَوْ كَانَتْ نَجَاسَتُهُ عَارِضَةً وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُ طَهَارَتُهُ وَالْأَنْسَبُ أَنْ يَقُولَ: أَوْ لَا يُمْكِنُ زَوَالُهَا.
(قَوْلُهُ: كَزِبْلٍ إلَخْ) مَشَى الْمُصَنِّفُ عَلَى قِيَاسِ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهُ عَلَى الْعَذِرَةِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ يَمْنَعُ بَيْعَهَا فَدَلَّ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى أَنَّ الْعُذْرَةَ مَمْنُوعَةٌ بِالْأَوْلَى، وَقَدْ حَصَلَ ح فِي بَيْعِ الْعُذْرَةِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْمَنْعُ لِمَالِكٍ عَلَى فَهْمِ الْأَكْثَرِ لِلْمُدَوَّنَةِ وَالْكَرَاهَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَفَهْمِ أَبِي الْحَسَنِ لَهَا، وَالْجَوَازُ لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الضَّرُورَةِ لَهَا فَيَجُوزُ وَعَدَمُهَا فَيُمْنَعُ وَهُوَ لِأَشْهَبَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا الزِّبْلُ فَذَكَرَ ابْنُ عَرَفَةَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ الْمَنْعُ وَهُوَ قِيَاسُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَهُ عَلَى الْعُذْرَةِ فِي الْمَنْعِ عِنْدَ مَالِكٍ وَقَوْلٌ لِابْنِ الْقَاسِمِ بِجَوَازِهِ وَقَوْلُ أَشْهَبَ بِجَوَازِهِ عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَتُزَادُ الْكَرَاهَةُ عَلَى ظَاهِرِ الْمُدَوَّنَةِ وَفَهْمِ أَبِي الْحَسَنِ وَفِي التُّحْفَةِ:
وَنَجَسٌ صَفْقَتُهُ مَحْظُورَهْ ... وَرَخَّصُوا فِي الزِّبْلِ لِلضَّرُورَهْ
وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الزِّبْلِ دُونَ الْعُذْرَةِ لِلضَّرُورَةِ وَنَقَلَهُ فِي الْمِعْيَارِ عَنْ ابْنِ لُبٍّ وَهُوَ الَّذِي بِهِ الْعَمَلُ عِنْدَنَا اهـ بْن (قَوْلُهُ: وَلَوْ مَكْرُوهًا) أَيْ هَذَا إذَا كَانَ غَيْرُ الْمُبَاحِ مُحَرَّمًا كَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، بَلْ وَلَوْ كَانَ مَكْرُوهًا كَسَبُعٍ وَضَبُعٍ وَثَعْلَبٍ وَذِئْبٍ وَهِرٍّ (قَوْلُهُ: وَزَيْتٍ تَنَجَّسَ) مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ وَمُقَابِلُهُ رِوَايَةٌ وَقَعَتْ لِمَالِكٍ جَوَازُ بَيْعِهِ كَانَ يُفْتِي بِهَا ابْنُ اللَّبَّادِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي سَمَاعِ الْقَرِينَيْنِ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ مَا نَصُّهُ وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ الْمَعْلُومُ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَغَيْرُهَا أَنَّ بَيْعَهُ لَا يَجُوزُ وَالْأَظْهَرُ فِي الْقِيَاسِ أَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ مِمَّنْ لَا يَغُشَّ بِهِ إذَا بَيَّنَ؛ لِأَنَّ تَنْجِيسَهُ بِسُقُوطِ النَّجَاسَةِ فِيهِ لَا يُسْقِطُ مِلْكَ رَبِّهِ عَنْهُ وَلَا يُذْهِبُ جُمْلَةَ الْمَنَافِعِ مِنْهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتْلَفَ عَلَيْهِ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَصْرِفُهُ فِيمَا كَانَ لَهُ هُوَ أَنْ يَصْرِفَهُ فِيهِ، وَهَذَا فِي الزَّيْتِ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ لَا يُجِيزُ غُسْلَهُ، وَأَمَّا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يُجِيزُ غُسْلَهُ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ فَسَبِيلُهُ فِي الْبَيْعِ سَبِيلُ الثَّوْبِ الْمُتَنَجِّسِ اهـ بْن (قَوْلُهُ: اخْتِيَارًا) رَاجِعٌ لِقَوْلِهِ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ إلَخْ
-