يمكن اصطياده بغير كلفة والماء رقيق لايمنع المشاهدة صح بيعه على ما ذكرنا، وإن لم يمكن إلا بكلفة ومشقة وكانت يسيرة بمنزلة اصطياد الطائر من البرج فالقول فيه كالقول في بيع الطائر في البرج على ما ذكرنا من الخلاف وإن كانت كثيرة تتطاول المدة فيه لم يجز بيعه للعجز عن تسليمه في الحال والجهل بإمكان التسليم (فصل) ولا يجوز بيع المغصوب لعدم إمكان تسليمه فإن باعه لغاصبه أو لقادر على أخذه منه جاز لعدم الغرر فيه ولإمكان قبضه، وكذلك إن باع الآبق لقادر عليه صح كذلك وإن ظن أنه قادر على استنقاذه ممن هو في يده صح البيع فإن عجز عن استنقاذه فله الخيار بين الفسخ والإمضاء لأن العقد صح لكونه مظنون القدرة على قبضه وثبت له الفسخ للعجز عن القبض فهو كما لو باعه فرساً فشردت قبل تسليمها أو غائباً بالصفة فعجز عن تسليمه (فصل) (السادس أن يكون معلوما برؤية أو صفة يحصل بها معرفته فإن اشترى ما لم يره ولم يوصف له أو رآه ولم يعلم ما هو أو ذكر له من صفته ما لا يكفي في السلم لم يصح البيع وعنه يصح وللمشتري خيار الرؤية)
اختلفت الرواية عن أحمد رحمه الله في بيع الغائب الذي لم يوصف ولم تتقدم رؤيته فالمشهور عنه أنه لا يصح بيعه وبهذا قال الشعبي والنخعي والحسن والاوزاعي ومالك واسحاق وهذا أحد قولي الشافعي.
وفيه رواية أخرى أنه يصح وهو مذهب أبي حنيفة والقول الثاني للشافعي واحتج من أجازه بعموم قوله تعالى (وأحل الله البيع) وبما روي عن عثمان وطلحة أنهما تبايعا داريهما إحداهما بالكوفة والأخرى بالمدينة فقيل لعثمان إنك قد غبنت فقال ما أبالي إني بعت ما لم أره.
وقيل لطلحة فقال لي الخيار لأنني اشتريت ما لم أره، فتحاكما إلى جبير فجعل الخيار لطلحة.
وهذا اتفاق منهم على صحة البيع ولأنه عقد معاوضة فلم تفتقر صحته إلى رؤية المعقود عليه كالنكاح.
ولنا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الغرر رواه مسلم، ولأنه باع ما لم يره ولم يوصف له فلم يصح كبيع النوى في التمر، ولأنه بيع فلم يصح مع الجهل بصفة المبيع كالسلم والآية مخصوصة بما ذكرنا من الأصل، وأما حديث عثمان وطلحة فيحتمل أنهما تبايعا بالصفة ومع ذلك فهو قول صحابي وقد اختلف في كونه حجة ولا يعارض به حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنكاح لا يقصد منه المعاوضة ولا يفسد بفساد العوض ولا بترك ذكره ولا يدخله شئ من الخيارات، وفي اشتراط الرؤية مشقة على المخدرات وإضرار بهن ولأن الصفات التي تعلم بالرؤية ليست هي المقصودة بالنكاح فلا يضر الجهل بها بخلاف البيع.
فإن قيل فقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " من اشترى ما لم يره فهو بالخيار إذا رآه " والخيار لا يثبت إلا في عقد صحيح قلنا: هذا يرويه عمربن إبراهيم الكردي وهو متروك الحديث ويحتمل أنه بالخيار بين العقد عليه وتركه فعلى هذا يشترط رؤية ما هو مقصود بالبيع كداخل الثوب وشعر الجارية ونحوهما، فلو باع ثوباً مطوياً أو عيناً حاضرة لا يشاهد منها ما يختلف الثمن لأجله كان كبيع الغائب فإن قلنا بصحة بيع الغائب فللمشتري الخيار في أشهر الروايتين وهو قول أبي حنيفة ويثبت الخيار عند رؤية المبيع في الفسخ والإمضاء ويكون على الفور فإن اختار الفسخ انفسخ العقد وإن لم يختر لزم العقد لأن الخيار خيار الرؤية فوجب أن يكون عندها وقيل يتقيد بالمجلس وإن اختار الفسخ قبل