ولا يجوز بيع كل ماء عد كمياه العيون ونقع البئر ولا ما في المعادن الجارية من القار والملح والنفط ولا ما ينبت في أرضه من الكلأ والشوك، ومن أخذ منه شيئا ملكه

إلا أنه لا يجوز له الدخول إلى ملك غيره بغير إذنه

(فصل) (الخامس أن يكون مقدوراً على تسليمه فلا يجوز بيع الآبق ولا الشارد ولا الطير في الهواء ولا السمك في الماء ولا المغصوب إلا من غاصبه أو ممن يقدر على أخذه منه) بيع العبد الآبق لا يجوز سواء علم بمكانه أو جهله وكذلك ما في معناه من الجمل الشارد والفرس العائر وشبههما وبه قال مالك والشافعي وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي وروي عن ابن عمر أنه اشترى من بعض ولده بعيراً شارداً وعن ابن سيرين لا بأس ببيع الآبق إذا كان علمهما فيه واحداً وعن شريح مثله.

ولنا ماروى أبو هريرة قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر رواه مسلم وهذا بيع غرر ولأنه غير مقدور على تسليمه فلم يجز بيعه كالطير في الهواء فإن حصل في يد انسان جاز بيعه لإمكان تسليمه (فصل) ولا يجوز بيع الطير في الهواء مملوكا كان اولا أما المملوك فلأنه غير مقدور عليه وغير المملوك لا يجوز لعلتين عدم القدرة وعدم الملك لحديث أبي هريرة قيل في تفسيره هو بيع الطير في الهواء والسمك في الماء ولا نعلم في هذا خلافاً ولا فرق بين كون الطائر يألف الرجوع أولا يألفه لأنه لا يقدر على تسليمه الآن وإنما يقدر إذا عاد.

فإن قيل فالغائب في مكان بعيد لا يقدر على تسليمه في الحال، قلنا الغائب يقدر على استحضاره والطير لا يقدر صاحبه على رده إلا أن يرجع هو بنفسه ولا يستقل مالكه برده فيكون عاجزاً عن تسليمه لعجزه عن الواسطة التي يحصل بها تسليمه بخلاف الغائب وإن باعه الطير في البرج نظرت فإن كان البرج مفتوحاً لم يجز لأن الطير إن لم يمكن تسليمه فإن كان مغلقاً ويمكن أخذه جاز بيعه وقال القاضي إن لم يمكن أخذه إلا بتعب ومشقة لم يجز بيعه وهذا مذهب الشافعي.

وهو ملغي بالبعيد الذي لا يمكن إحضاره إلا بتعب ومشقة، وفرقوا بينهما بأن البعيد تعلم الكلفة التي يحتاج إليها في إحضاره بالعادة وتأخير التسليم مدته معلومة، والصحيح أن تفاوت المدة في إحضار البعيد واختلاف المشقة أكبر من التفاوت في إمساك طائر من البرج، والعادة

تكون في هذا كالعادة في ذلك فإذا صح في البعيد مع كثرة التفاوت وشدة اختلاف المشقة فهذا أولى (فصل) ولا يجوز بيع السمك في الآجام هذا قول أكثر أهل العلم وروى عن ابن مسعود أنه نهى عنه وقال إنه غرر وكرهه الحسن النخعي ومالك وأبو حنيفة والشافعي وأبو يوسف وأبو ثور ولا نعلم لهم مخالفاً لما ذكرنا من الحديث والمعنى، فإن باعه في الماء جاز بثلاثة شروط أحدها أن يكون مملوكاً وأن يكون الماء رقيقا لايمنع مشاهدته ومعرفته، وأن يمكن اصطياده لأنه مملوك معلوم يمكن تسليمه فجاز بيعه كالموضوع في طست في الماء.

وإن اختل شرط مما ذكرنا لم يجز بيعه لفوات الشرط وروي عن عمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى فيمن له أجمة يحبس السمك فيها يجوز بيعه لأنه يقدر على تسليمه ظاهراً أشبه ما يحتاج إلى مؤنة في الكيل أو الوزن والنقل.

ولنا قول ابن مسعود وابن عمر لا تشتروا السمك في الماء لأنه غرر ولأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر وهذا منه ولأنه لا يقدر على تسليمه إلا بعد اصطياده أشبه الطير في الهواء ولأنه مجهول أشبه اللبن في الضرع ويفارق ما قاسوا عليه، لأن ذلك من مؤنة القبض وهذا يحتاج إلى مؤنة ليمكن قبضه، فأما إن كانت له بركة له فيها سمك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015