القرآن والشعر الجاهلي، فاختار قصيدةَ امرئ القيس المُعلَّقةَ؛ لإجْماعِ العَرَبِ والأدباء على تقدمِ امرئ القيس في شعره، ثُمَّ تقديْمِهم لهذه القصيدة على سائر شعره.

وقال بين يدي هذه الموازنة: «ونظمُ القرآنِ جِنسٌ متميزٌ، وأسلوبٌ متخصصٌ، وقَبِيلٌ عن النَّظِيْرِ مُتخلِّص، فإذا شئت أَن تعرفَ عِظَمَ شأنهِ، فتأمَّل ما نقوله في هذا الفصلِ لامرئ القيسِ في أَجودِ أشعارهِ، وما نُبيِّنُ لك من عَواره على التفصيل» (?)، ثُمَّ شرع في ذكر أبيات المعلقة، مبينًا ما يرى أنه عيب وخلل في المعلقة، وما فيها من التكلف والخروج عن المعنى والتناقض والاختلاف. (?) إلى أن قال: «ولستُ أُطَوِّلُ عليكَ فتستثقلَ، ولا أُكثِرُ القولَ في ذَمِّهِ فتستوحشَ، وأَكِلُكَ الآنَ إلى جُملةٍ من القولِ، فإِنْ كنتَ من أهل الصنعةِ، فَطِنتَ واكتفيتَ وعرفتَ ما رمينا إليه واستغنيتَ، وإن كنتَ عن الطبقةِ خارجًا، وعن الإتقانِ بِهذا الشأنِ خاليًا فلا يكفيكَ البيانُ، وإن استَقْرَينا جَميعَ شِعرهِ، وتتبعنا عامَّةَ ألفاظه». (?)

ثُمَّ عاد بعد ذلك فذكر ما استحسنه الأدباءُ من أبيات هذه القصيدة، فقَلَّلَ من شأنِها، وهَوَّنَ من بلاغتها، وقال: «إِنَّ هذا صالحٌ جَميلٌ، وليس من الباب الذي يقالُ: إنَّهُ مُتناهٍ عَجيبٌ، وفيه إلمامٌ بالتكلُّفِ، ودخولٌ في التعمُّلِ». (?)

ثُمَّ ختمَ ببيان غرضه الذي قصده من هذا التتبع لمعلقة امرئ القيس فقال: «وإِنَّما أردنا أن نبيّن الجملةَ التي بيناها، لتعرفَ أن طريقةَ الشعر شريعةٌ مورودةٌ، ومَنْزِلةٌ مشهودةٌ، يأخذ منها أصحابُها على مقاديرِ أسبابِهم، ويتناولُ منها ذووها على حسبِ أحوالهم ... فأَمَّا نَهجُ القرآن ونظمُهُ، وتأليفهُ ورصفهُ، فإِنَّ العقولَ تَتِيهُ في جهتهِ، وتَحارُ في بَحرهِ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015