صلاة بعد العصر، فلا فسحة لأحد من الناس أن يختار خلاف ما قضى به.
وإيراد هذه الآية في معرض الاحتجاج، على سبيل التعريض لا على سبيل الاستدلال من أبلغ أنواع البلاغة، وهذا النوع يسمى في علم البيان "التعليق"، لأنه قد حذف من الخطاب شيئاً كان يريد أن يذكره، ثم يعضده بذكر الآية، وذلك أنه كان عليه أن يقول لطاوس لما قال: ما أدعهما، لا يجوز لك ذلك، فيقول له: ولم؟ فيقول: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنهما، فيقول: وكيف نهى عنهما؟ فيقول: قال: "لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس"، فيقول: ولم كان اتباع ذلك لازمًا؟ فيقول: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ} (?) فانظر كيف حذف هذه الأسئلة والأجوبة، واكتفى بذكر الآية فأغنت عن ذلك جميعه، وتلاوة القرآن "وما كان لمؤمن" بواو قبل "ما"، والذي جاء في هذا الحديث بحذفها، فإن صحت الرواية بها، فلأنها إنما ذكر الآية مبتدئًا ولم يتقدمها ما يعطفها عليه، فأسقط الواو لذلك.
والأولى إثباتها محافظةً على لفظ القرآن.
وهذا الحديث أخرجه الشافعي في كتاب الرسالة (?)، في جملة أحاديث أُخَر في معناه، استدل بها على بعضٍ من كُلِّهِ، في جواز صلاة الأسباب في الأوقات المكروهة.
قال الشافعي في جملة قوله: فإذا وجدت عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - خبرًا مُجْمَلًا فهو على جملته وظاهره، لا يحيله عن جملته وظاهره شيء إلا أن يأتي عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - خبر يكون فيه دلالة على أنه خاص دون عام، وباطن دون ظاهر، فيستدل بخبر رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - على خبره، وذلك أن ينهى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - عن الشيء فيأتي الخبر جملة بنهيه عنه، ثم يأتي خبر عنه بترخيص