وقد جاء في بعض الروايات "فأبردوا بالصلاة" وفي بعضها "فأبردوا عن الصلاة" والفرق بينهما أن الباء لا تخلو أن تكون للإلصاق؛ أو للاستعانة، أو زائدة، وكل هذه الأوجه لائقة بهذا الموضع صالحة له، إلا أن بعضها أحسن من بعض.
وأما "الإلصاق": فنحو قولك: مررت بزيد، فإن الباء ألصقت المرور بزيد، وكذا هذا كأن الباء ألصقت الإبراد بالظهر. وأما التي للاستعانة: فكقولك: كتبت بالقلم، فكأن صلاة الظهر هي التي استعنت بها على الإبراد، فصرت مبردًا بسببها إلا أن الإبراد إنما هو لشدة الحر لا للصلاة، ولكن صار خاصًّا بها للاستعمال؛ لأنه لما جعل الإبراد في هذا الوقت لأجل تأخيرها، صارت كأنها هي التي فعلته وحملت عليه.
وأما الزيادة: فكقولك: "بحسبك قول السوء، أي: حسبك" فإذا جعلنا في الحديث زائدة، صار المعنى أبردوا الظهر أي أخروها إلى أن يذهب شدة الحر لكن مع إثباتها يكون الإبراد فعلا قاصرًا لازمًا للمصلي، ومع حذفها يكون متعديًا أي: احملوها على أن تبرد هي، وفيه بعد، وأولى هذه الأوجه الثلاثة، أن تكون للاستعانة.
وأما قوله: "فأبردوا عن الصلاة" فإن معناها المجاوزة، تقول: صفحت عن فلان أي جاوزته فلم أعاقبه، فهي في هذا الحديث بمعنى تجاوزوا وقتها المختص بها، واعبروه إلى أن ينكسر الحر.
وفي هذا دليل على أن الوقت الأخص والأولى في الصلوات هو الأول, لأنه أَمْرٌ بالترخص أو بالتخصيص في شدة الحر، ومجاوزة الوقت الخصيص بها لأجل الحر؛ وما يتجاوز الإنسان أمرًا إلا وقد ترك ما هو أولى به، لاسيما إذا كانت المجاوزة رخصة أو تخصيصًا لهذه، ويجوز أن يكون التقدير في "أبردوا عن الصلاة"، أخروا الصلاة لكنه أراد أن لا يقرن لفظ التأخير بالصلاة، صيانة لها