وأخبرنا الشافعي: أخبرنا سفيان، عن عبد الله بن أبي لبيد، عن ابن سليمان ابن يسار، عن أبيه، أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قام بالجابية خطيبًا فقال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام فينا كمقامي فيكم فقال: "أكرموا أصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يظهر الكذب، حتى إن الرجل ليحلف ولا يستحلف، ويشهد ولا يستشهد، ألا فمن سره أن يسكن [بحبوحة] (?) الجنة فليلزم الجماعة، فإن الشيطان مع الفذ وهو من الاثنين أبعد، ولا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما، ومن سرته حسنته وساءته سيئته فهو مؤمن".
هذا حديث صحيح، أخرجه الشافعي مرسلًا عن سليمان بن يسار، عن عمر. وسليمان لم يدرك عمر. وقد أخرجه الترمذي (?) مسندًا عن أحمد بن منيع، عن النضر بن إسماعيل [عن] (?) ابن سوقة، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: خطبنا عمر بالجابية: وذكر الحديث وقال: بحبوحة الجنة، وفي حديثه: "عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة".
قوله: "ثم يظهر الكذب" ويريد: كثرته وأنه يفشو في الأرض بحيث يظهر لكل أحد من الناس، ثم إنه أكد ذلك بقوله: "حتى إن الرجل ليحلف ولا يستحلف، ويشهد ولا يستشهد" وهذا دأب من يكثر القول ويتكلم بما لا يصدق، فيقصد افتراه بالحلف من غير أن يستحلف على صحة قوله، ويشهد بالشيء تبرعًا من غير أن يستشهد، فيقف نفسه في مظان التهم.
وبحبوحة الدار -بضم الباء-: وسطها، ووسط كل شيء خياره.