وفي هذا الحديث: دليل على أن العلة ذهب إليها الشافعي، من تعليل أخذ الجزية من المجوس وهي: أنهم أهل كتاب، ولا اعتبار بمخالفتهم مذهبهم، ولا برفع الكتاب من بين أظهرهم، فإن اليهود والنصارى بدلوا التوراة والإنجيل، وخالفوا ما أمروا به فيهما، ومع ذلك فالجزية مأخوذة منهم، ثم نص الكتاب إنما قال: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} ولم يشترط العمل بما فيه والوفاء به، هؤلاء قد أوتوا كتابًا كما أوتي النصارى واليهود؛ فلذلك جاز أخذ الجزية منهم -والله أعلم.

وقال الشافعي -رضي الله عنه-: حديث نصر بن عاصم، عن علي متصل وبه نأخذ، وفيه دليل على أن عليًا أخبر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يأخذ الجزية منهم إلا وهم أهل كتاب ولا من بعده، ولو كان يجوز أخذ الجزية من غير أهل الكتاب لقال علي: الجزية تؤخذ منهم كانوا أهل كتاب أو لم يكونوا أهله، ولم أعلم من سلف من المسلمين أحدًا أجاز أن تؤخذ الجزية من غير أهل الكتاب والله أعلم.

قال الشافعي -رضي الله عنه- في القديم: ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على البحرين فاستعمل عليهم العلاء بن الحضرمي، وبعث إليه بمال من جزيتهم، ومن بالبحرين من أهل الكتاب مجوس.

وأخبرنا الشافعي: أخبرنا إبراهيم بن محمد، أخبرني إسماعيل بن أبي حكيم، عن عمر بن عبد العزيز أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى أهل اليمن: "أن على كل إنسان منكم دينارًا كل سنة أو قيمته من المعافر".

يعني: أهل الذمة منهم.

هذا الحديث هكذا جاء في المسند مرسلًا في كتاب الجزية (?)، وقد أخرج أبو داود هذا المعنى مسندًا عن معاذ بن جبل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015