هذا حديث شريف كثير الفوائد، وهو أصل من أصول الإسلام. وقد ذكرنا في حديث أبي هريرة الذي قبله ما فيه كفاية من شرحه إلا أن حديثه لم يتعرض فيه إلى منع الزكاة وقتال مانعيها؛ وما جرى بين أبي بكر وما يتعلق به -وبالله التوفيق.
فنقول: لما توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واستخلف الناس أبا بكر الصديق -رضي الله عنه- وصار إمامًا واجب الطاعة مقبول القول، تعين عليه ما يلزم أولي الأمر من إلزام الناس بشرائط الإسلام والعمل بها، وكان من جملة ما يلزمه أخذ زكاة الأموال من أربابها؛ إذ الزكاة أحد مباني الإسلام، فلما كفر من كفر من العرب مثل: من اتبع مسيلمة والأسود العنسي وغير هؤلاء؛ ممن ركب هواه وعاد في حافرته ورجع إلى جاهليته وشقوا عصا الإسلام وأظهروا الكفر الصراح؛ وكان ممن خالف الجماعة منهم: طائفة منعوا الزكاة فإنهم أقروا بشرائع الإسلام وأحكامه وأنكروا الزكاة. ومنهم من أقر بالزكاة إلا أنه امتنع من أدائها إلى الإمام خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهؤلاء فلا يخلوا أمرهم من إحدى حالين:-
إما أن يكونوا كفارًا لإنكارهم وجوب الزكاة بتكذبيهم نص القرءان والسنة.
وإما أهل بغي بامتناعهم من أدائها إلى الإمام، وإنما لم يسموا يومئذ أهل بغي: لأن اسم الردة جمعهم وغيرهم، فإن أكثر العرب بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ارتدوا وكفروا وتركوا أحكام الإسلام رأسًا، حتى إنه لم يبق موضع يصلى فيه إلا ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، ومسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - , ومسجد عبد القيس بالبحرين في قرية يقال لها جواثا. فلما شملت الردة وكانت هذه الطائفة مخالفة شاقة للعصا انتظمهم وإياهم اسم الردة، ومن هؤلاء الذين امتنعوا من أدائها إلى الإمام جماعة اتبعوا أمر مقدميهم ورؤسائهم في ذلك مثل: بني يربوع أرادوا أن يبعثوا بصدقاتهم إلى أبي بكر فمنعهم مالك بن نويرة، وفي أمر هؤلاء عرض الخلاف بين أبي بكر وعمر حتى قال عمر لأبي بكر: كيف تقاتلهم وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا. فقال له أبو بكر: فقد قال في سياق الحديث: "إلا