فاعترف لهم أنه حقهم وأنهم إنما يتركون حقهم إن أحبوا رعاية للمسلمين وتكرمًا عليهم وإحسانًا إليهم وإيثارًا لهم بحقهم على أنفسهم، وهذا من محاسن الخطاب وألطف الطرق في تحصيل المفاسد والأغراض.
وقوله: "حتى يأتينا مال" متعلق بقوله: "فإن أحببتم أن تتركوا حقكم" التقدير: تتركوه إلى أن يجيئنا مال، وهو متعلق بقوله: "فجعلناه في خلة المسلمين إلى أن يجيئنا مال" والأول أحسن.
وقوله: "ولا لا يبلغ علمي إذْ كثر أن يكون لكم كله" كأن عمر ظن أن الخمس إنما جعله الله تعالى لهم لحاجتهم وفقرهم.
وقد اختلف الناس في علة جعله لهم، فقال قوم: للفقر والحاجة.
وقال قوم: لما منعوا الزكاة وحرمت عليهم جعل لهم الخمس عوضًا عنه.
وقال قوم: إنما جعل لهم خاصة؛ لقربهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتشريفًا لهم على غيرهم.
فعمر غلب على ظنه أنما أعطاهم للحاجة، ولما كثرت الفتوح والغنائم والفيء صار نصيبهم من الخمس كثيرًا أكثر مما يحتاجون إليه، فغلب على ظنه أنهم لا يستحقونه كله، وإنما يستحقون منه بقدر حاجتهم وكفايتهم.
وهذا فيه بعد؛ لأن الذي جعل لهم النصيب كان عالمًا حيث جعله لهم بالسبب المقتضي لجعله لهم، وكان عالمًا أنه سيكثر ويتضاعف، ولم يزل عالمًا كما كان عالمًا بما كان وما يكون، لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض، فلو أن السبب كان الحاجة والفقر؛ كان مقدَّرًا مخصوصًا مُعَيَّنًا، وإنما عمر -رضي الله عنه- اجتهد، فغلب على ظنه ذلك، فقال: "ولا يبلغ [علمي] (?) إذ كثر أن يكون لكم كله" وعليٌّ وجماعة مستحقي النصيب كانوا