وأما الوجه الثاني: فإن الخيار لما كان يشتمل على خيار المجلس وخيار الشرط، وكان إذا أطلق لفظ الخيار احتملهما على السواء، ويبقى التخصيص إلى القرائن ودلالة الحال؛ فلما قال: "البيعان بالخيار" عَمَّ الأمرين؛ فاستثنى منه أحد لخيارين، وهو أحد مدلولي اللفظ؛ لأنه لم يُرِدْ أن يوجب له إلا أحدهما، نعم قد استدل من ذهب إلى المعنى الثاني من المعنيين اللذين حكاهما الشافعي بالاستثناء، فقال: الاستثناء من الموجب نفي ومن النفي إيجاب، فلما كان هذا استثناء من إثبات وجب أن يكون نفيًا فكان معنى قوله: "إلا بيع": إلا بيعًا اشترط فيه نفي الخيار.

وقول الشافعي في الرواية الثانية: أو يكون بيعهما عن خيار تتجاذبه التأويلات الثلاثة على قوة قويّها وضعف ضعيفها، وأوضح منه ما جاء في رواية البخاري ومسلم: "كل بَيِّعين لا بيع بينهما حتى يتفرقا إلا بيع الخيار" فبيع الخيار إما أن يكون بيع التخيير، أو بيع شُرِطَ فيه الخيار، فنفى وجود البيع قبل التفرق وأثبته بعد التفرق سوى بيع الخيار، فإنه لا يثبت بالتفرق ولا يؤثر فيه شيئًا والله أعلم.

أخبرنا الشافعي -رضي الله عنه-، أخبرنا الثقة، عن حماد بن زيد، عن جميل ابن مرة, عن أبي الوضيء قال: "كنا في غزاة، فباع صاحب لنا فرسًا من رجل، فلما أردنا الرحيل خاصمه إلى أبي برزة، فقال أبو برزة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: البيعان بالخيار ما لم يتفرقا" هذا حديث صحيح.

أخرجه أبو داود (?)، عن مسدد، عن حماد ... بالإسناد، قال: "غزونا غزاة لنا، فنزلنا [منزلاً] (?) فباع صاحب لنا فرسًا بغلام [ثم أقاما] (?) بقية يومهما وليلتهما، فلما أصبحا من الغد حضر الرحيل؛ فقام الرجل إلى فرسه [يسرجه فندم] (?) فأتى الرجل فأخذه بالبيع، فأبى الرجل أن يدفعه إليه، فقال: بيني

طور بواسطة نورين ميديا © 2015