الشهر لاستغراق الجنس، فإن كانت الخصوص يريد به الشهر المشار إليه فيصح المعنى، ولكن ما يريد ذلك إنما هو حكم عام في الأشهر، وحينئذ يكون التقدير ما قلناه أولاً وهو: أن الشهر قد يكون تسعًا وعشرين، ويعضد ذلك قوله: "فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين" وإنما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا القول: بيان ما كان موهومًا أن يخفى عليهم, لأن الشهر في العرف وغالب العادة ثلاثون، فوجب أن يكون البيان فيه مصروفًا إلى ما يخالف الحال المألوفة وهو التسع والعشرون، فقال: "الشهر تسع وعشرون" وهذا الأمر وإن كان معتادًا عند العرب مألوفًا، إلا أنه في أول الإِسلام وتحديد أحكام الشريعة التي لم تكن مألوفة مشكل الأمر، فأراد أن يعرفهم أن الشهر وإن كان في بعض الأوقات يكون ناقصًا عن الثلاثين، فإنه في حكم التمام فكل ما هو منوط بالثلاثين وهو منوط بالتسع والعشرين، حتى لو نذر أن يصوم شهرًا بعينه فكان ذلك الشهر تسعًا وعشرين أجزأه.

وفي رواية الشافعي: "إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا"، وفي رواية الموطأ "لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه" ولفظ رواية الشافعي أحسن موقعًا في هذا المقام، وذلك أن الحديث مسوق لبيان فرض الصوم، والأمر أن ذلك مقترن بوقت مخصوص عن الصوم مترتب على وجود ذلك الوقت، فإذا شرع في الصوم فكان تقديم ذكر رؤية الهلال على ذكر الصوم أولى ليكون مطابقًا للوجود، ثم إذا كان الغرض الأمر بالصوم فذكره بلفظ الأمر مرتبًا على شرطه أولى من ذكره بلفظ النهي مقدمًا في الذكر على شرطه.

فأما رواية الموطأ: فإنما تكون حسنة الموقع، لو وردت عقيب اختلاف جرى بين الصحابة في صوم يوم الشك، فإنهم كانوا يكونون قد سألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صوم ذلك اليوم المشكوك فيه، فقال لهم: "لا تصوموا حتى لا تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه" وهذا التقدير لو وقع لم ينفرد به هذا اللفظ عن رواية

طور بواسطة نورين ميديا © 2015