[فتعود] قوتهم، فإن المبادرة بالتسليم حينئذ تؤدي إلى اضطراب أمر الإمامة وتفاقم الفتنة. وقد قال له بعض أصحابه: لو عاقبت قوما أجلبوا على عثمان؟ فقال: "يا إخوتاه إني لست أجهل ما تعلمون، ولكن كيف لي [بقوة والقوم] المجلبون على شوكتهم يملكوننا ولا نملكهم وهاهم هؤلاء قد ثارت معهم عبدانكم والتفت إليهم أعرابكم وهم خلالكم يسومونكم ما شاؤوا". كذا في نهج البلاغة.

والحاصل أن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منزهون عما يشينهم من ذميم الأخلاق مبرؤون عن وصمة الفسق على الإطلاق، ولم يتوف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى ماز الله الخبيث من الطيب. والآيات التي يوردها الشيعة بعد تسليم أن معانيها كما زعموا ليس مورادها كما فهموا، بل هي واردة في حق إخوانهم المنافقين لا في حق الصحابة الصادقين، بل أولئك الذين اختارهم الله لصحبة نبيهم - صلى الله عليه وسلم - ومات وهو راض عنهم؛ هم الذين فتحوا البلاد بالسيوف وسقوا الأعاجم سم الحتوف ومهدوا قواعد الدين وهدموا أساس المشركين. وهيهات أن يصدر من أولئك الأكابر كبيرة أو يصر أحدهم على صغيرة، وإن وقع منهم حيث لا عصمة ما يقتضي التفسيق فيأبى الله تعالى أن يموتوا عليه وأن يقوموا يوم القيامة من غير توبة بين يديه، حيث أشرقت أنوار النبوة على صفائح قوالب قوابل قلوبهم وكرّه الله إليهم الكفر والفسوق والعصيان، فحاشا أن يكون من مرغوبهم.

وماذا علينا إذا قلنا: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، وماذا يلزمنا إذا حملنا أمر أصحاب نبينا - صلى الله عليه وسلم - الذين آمنوا به وصدقوه وجاهدوا معه ونصروه على الصلاح، وأي ضرر يعترينا لو قلنا: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015