فلما أحسوا بذلك هرب كل منهم إلى ناحية، فهرب طلحة والزبير إلى مكة، فلما قدما إليها وجدا فيها أم المؤمنين، وكانت حاجّة في السنة التي قتل فيها عثمان، فقالت: ما وراؤكما؟ فقالا: إنا تحملنا هربا من المدينة من غوغاء الأعراب، ثم قالا مع جمع آخر لها عسى أن تخرجي رجاء أن يرجع الناس إلى أمهم وهي تمتنع عليهم ويحتجون عليها بقوله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ}، فأجابتهم عائشة. وأرادوا موضعا يأمنون به من شر البغاة فإنهم علموا أن قتلة عثمان يقصدونهم فاستقام رأيهم على التوجه إلى البصرة. ولما سمع أمير المؤمنين أنهم خرجوا إلى البصرة سار متوجها إليها، فلما بلغتها أرسل الأمير إلى طلحة والزبير قعقاعا وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: ادعهما إلى الإلفة والجماعة وعظّم عليهما الفرقة والمباينة، فخرج قعقاع حتى قدم البصرة فبدأ بعائشة وسلم عليها فقال: يا أم ما أشخصك وأقدمك هذا البلد؟ فقالت: أي بني الإصلاح بين الناس، ثم بعث إلى طلحة والزبير فحضرا فقال القعقاع: أخبراني ما وجه الإصلاح؟ قالا: قتلة عثمان، قال: هذا لا يكون إلا بعد اتفاق كلمة المسلمين وتسكين الفتنة في هذه الساعة والمسالمة، فقالا: قد أصبت وأحسنت.

فرجع القعقاع إلى علي وأخبره بذلك فسر به وأعجب، وأشرف القوم على الصلح وأقاموا ثلاثة أيام لا يشكون في الصلح. وأرسل الأمير كرم الله تعالى وجهه عشية اليوم الثالث إلى طلحة والزبير بالسلام وأرسلا إليه بالسلام وترددت الرسل بينهما بالصلح. وفرح الناس بذلك، وحزن قتلة عثمان وباتوا يتشاورون طول ليلهم، فقال رئيسهم عبد الله بن سبأ: يا قوم إن عزكم في مخالطة القوم فالزموا عليا ولا تتركوه، فإذا كان الغد والتقى الناس

طور بواسطة نورين ميديا © 2015