وبأن النسخ جائز بالاتفاق، وهو إما أن يكون لمصلحة ظهرت له تعالى لم تكن ظاهرة قبل أو لا، والثاني باطل لأنه عبث والله تعالى منزه عنه، فتعين الأول وهو البداء.
والجواب أن جميع ما استدلوا به باطل. أما الاستدلال بالآية فلأنها لا تدل على المدعى، لأن المحو والإثبات لا يوجبان الجهل، والمعنى ينسخ ما شاء نسخه من الأحكام لمصلحة تجددت بحسب اقتضاء الزمان، كقوله تعالى: {لكم دينكم ولي دين} وقوله تعالى: {واقتلوهم حيث وجدتموهم}، فإن الزمان الأول اقتضت المصلحة فيه المتاركة، والزمان الثاني اقتضت المصلحة فيه المقاتلة، ويثبت بدله ما يشاء، أو يتركه غير منسوخ، أو يمحو الفاسدات، ويثبت الكائنات، أو يمحو ظلمة الليل، ويثبت ضوء النهار، ونحو ذلك. وأما الاستدلال بالآثار فهو فاسد، لأنها موضوعة مفتراة، وآثار الوضع عليها ظاهر، ولا ظهور الشمس، لأن وصفه تعالى بما يدل صراحة على أنه جاهل بعواقب الأمور لا يكون عبادة، بل معصية وكفرا وإلحادا وزندقة، ولا يكون تعظيما بل تحقيرا.
وأما الاستدلال بالنسخ فباطل أيضا، لأن النسخ بالنسبة إلى الشارع بيان محض لانتهاء الحكم الأول، لأنه تعالى عالم بأن ذلك مؤقت إلى وقت معلوم، وبالنسبة إلى العباد رفع للحكم، لجهلهم بكونه مؤقتا، ولأن النسخ لمصلحة تجددت لم تكن موجودة قبل، فإن المصلحة قد تختلف باختلاف الأوقات، كمنفعة شرب الدواء في وقت ومضرته في وقت آخر. فلا يتم الترديد على ما لا يخفى.