فلذا ترى أحبارهم ورهبانهم يسرعون إليهم إذا قامت حرب بين المسلمين والكفار، فيعظونهم بالقعود عن نصرة المسلمين وإعانتهم ولو بأقل مقدار. إن سمعوا بنكبة المسلمين كان ذلك أسعد عيد، وإن أخبروا بنصرتهم غشيهم همّ ليس عليه من مزيد. فما أشبه حالهم بما قص تعالى في كتابه من حال إخوانهم اليهود حصب جهنم وحطبها: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا}، كل ذلك من إهمال أولي الأمر وعدم المبالاة بهذا الأمر الأمَرّ.
فلم يعيّنوا من يلقن عقائد الدين جهلة الناس وعوام المسلمين ولا من يبين لهم الأحكام ويميز لهم بين الحلال والحرام:
وتراخى الأمر حتى أصحبت ... هملا يطمع فيها من يراها
فإن إزاحة جيوش ظلام الضلال بإيقاد مصباح الهدى والرشاد لا تتيسر من غير مساعدة من ولاه الله تعالى زمام أمور العباد. ومع ذلك إن من وقف على ما انطووا عليه واطلع زيغهم وضلالهم وشبههم فيما ذهبوا إليه ظهر له أنهم ليسوا على شيء وتبين لديه أن ما هم عليه ضلال وغي، فيستمسك المؤمن بعرى دينه ويعض بنواجذه على إيمانه ويقينه.
وقد أُلف في إبطال مذاهب هذه الفرقة السالكة طريق الردى والفئة الزائغة عن منهج الهدى كتب تصدع بالحق وتنطق بالصدق وتقلع أساس الكفر من محله وتستأصل عرق الرفض من أصله. غير أن البعض منها فيه إطناب ممل، والبعض الآخر فيه إيجاز مخل.
ولقد لخصت فيما مضى ترجمة التحفة الاثني عشرية بألفاظ موجزة وعبارات مرضية. وقد ظفرت في هذه الأيام بكتاب الصواقع المحرقة لإخوان الشياطين والزندقة لخاتمة فحول الأنام وشيخ العلماء الأعلام فريد دهره ووحيد عصره: نصير الدين الشيخ