القصاص لكن لا يخفاك أنه إذا ذهب بالفقء نور العين حتى لم يبق من إدراكها شيء كان داخلا تحت قوله عزوجل: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} [المائدة: 45] ، لأن الاعتبار في كونها عينا هو بالإدراك بها فإذا ذهب ذلك لم تكن عينا.

قوله: "ويقدم قصاص الأطراف على القتل" الخ.

أقول: وجه هذا أنه قد تعلق للمقتص من الأطراف حق بها سواء كان واحدا أو جماعة وتقدم الاقتصاص بالنفس عليها يبطل ما هو ثابت من القصاص فيها لأن الاقتصاص من الميت لا يقال له قصاص ولا يسقط به حق عنه كما لا يجب فيه أرش ولا قصاص فمن هذه الحيثية وجب تقديم القصاص في الأطراف على القصاص في النفس لأنه لا يفوت تقديم القصاص في الأطراف ما يجب من القصاص في النفس بخلاف العكس وأما انتظار البرء فيها فلا وجه له إلا مجرد خيال مختل وتعليل معتل فالحق أنه يقطع ما يجب القصاص فيه من الأطراف ثم يستوفي القصاص في النفس من غير انتظار أصلا ومن أورد ما روي من أمره صلى الله عليه وسلم للمجني عليه أن ينتظر البرء ثم يقتص فقد وضع الدليل في غير موضعه فإن المراد هنا الانتظار منه لبرء الجناية الواقعة عليه حتى يتبين هل يحصل فيها سراية أو لا ليكون القصاص بعد تبين ما ينتهي إليه الأمر وهذا مسلم في المجني عليه وأما في المقتص منه فهو غير ما ورد فيه الحديث لأن المفروض أن من له القصاص قد طالب به في وقت يجوز له طلبه.

قوله: "ومن اقتص فتعذر على غيره استيفاء حقه" الخ.

أقول: وجه هذا أن المقتص لم يأخذ إلا ما هو حق له أوجبه الشرع فإذا كان الجاني قد جنى على اثنين أو أكثر جنايات توجب لكل واحد منهم الاقتصاص منه فسبق أحدهم بالقصاص حتى فات على غيره أن يستوفي ما يجب له من القصاص كان له أرش الجناية الواقعة عليه من مال الجاني لأنه الذي فعل ما يوجبها وليس على من استوفى ما يجب له من القصاص شيء وأما الشريك في القصاص فهو لم يستحق إلا نصيبا يخصه فإذا أقدم بعض الورثة للمقتول إلى قتل الجاني من غير أمر له من شركائه فقد استهلك حقه وحقهم فكان الضمان عليه والفرق بين المسألتين واضح ظاهر معقول.

[فصل

ولولي الدم إن شاهد القتل أو تواتر أو أقر له أو حكم أن يعفو ويستحق الدية وإن كره الجاني كاملة ولو بعد قطع عضو وإن يصالح ولو بفوقها وأن يقتص بضرب العنق فإن تعذر فكيف أمكن بلا تعذيب ولا إمهال إلا لوصية أو حضور غائب أو طلب ساكت أو بلوغ صغير ولا يكفي أبوه فإن فعل ضمن حصة شريكه ومتى قتل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015