الحديث إن صح تأويله بما رواه في الصحيحين [البخاري "2/81"، مسلم "1687"، وغيرهما عن الأعمش أنه قال: كانوا يرون أنه بيض الحديد والحبل كانوا يرون أن منها ما يساوي دراهم فذاك وظاهر قوله كانوا يرون أنه يريد الصحابة وإن لم يصح هذا التأويل فتأويل من قال إنه أراد صلى الله عليه وسلم تحقير شأن السارق وخسارة ربحه أو تأويل من قال: إنه أراد التنفير عن السرقة وجعل ما لا قطع فيه بمنزلة ما فيه القطع وإن لم يصح هذا التأويل فاعلم أن القطع إقدام على قطع عضو معصوم بعصمة الإسلام فلا يحل إلا بما اشتباه فيه ولا احتمال فيجب الوقوف على ما ثبت من نفي القطع فيما دون الربع الدينار وفيما دون ثمن المجن ويكون ذلك كالشبهة فيما دونه وهذا المذهب الذي قررناه هو مذهب جمهور السلف والخلف ومنهم الخلفاء الأربعة وفي المسألة أحد عشر مذهبا هذا مذهب أرجحها وقد استوفينا حججها في شرحنا للمنتقي وقد حكى ابن حجر في الفتح فيها عشرين مذهبا ولكن ما زاد على ما ذكرناه هنالك منها لا يصلح لجعله مذهبا مستقلا.
قوله: "الدرهم ثمانية وأربعون شعيرة".
أقول: الاعتبار بالدرهم الإسلامي المعامل به في أيام النبوة وإن كان من غير ضريبة الإسلام إذ لا ضربة في أيام النبوة ولا في أيام خلفاء الصحابة وأول من ضرب الدرهم عبد الملك بن مروان ثم إذا التبس قدر الدرهم فهو الذي يقابل الدينار فيه اثني عشر درهما.
وأما قوله: "أو ما يساويهما" فظاهر ولهذا قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجن وقطع في رداء صفوان.
قوله: "ولو جماعة لجماعة".
أقول: لا بد أن يسرق كل واحد من الجماعة نصابا من حرز لا لو كان مجموع ما أخذوه وأخرجوه من الحرز جميعا لا تأتي حصة كل واحد منهم قدر النصاب فلا قطع لأن الشارع جعل مطلق النصاب شرطا في مطلق القطع والدماء معصومة فلا تراق إلا بحقها وهو سرقة النصاب من كل فرد فرد ولا وجه لقياس هذا فعلي قتل الجماعة بالواحد فإن القصاص حق لآدمي وهذا حق لله وأيضا الحد يدرأ بالشبهة بخلاف القصاص وأيضا قام الدليل العقلي والنقلي هنالك ولا يصح اعتباره هنا.
وأما قوله: "ولجماعة" فصحيح لأنه قد حصل الشرط وهو سرقة النصاب ولم يرد ما يدل على أن يكون المالك له واحدا.
وأما قوله: "أو لذمي" فوجهه شمول أدلة السارق لكل مسروق ومال الذمي محترم معصوم بالذمة.
وأما قوله: "أو لغريم" فوجهه أنه قد سرق النصاب من مال غيره فاستحق القطع وكونه له عليه دين لم يرد دليل يدل عن أنه مسقط للحد فوجب البقاء على عموم الأدلة.
قوله: "وقد أخرجه من حرز".