بما عدا الأموال ولا يختلف في هذا من يقول بأن كل مجتهد مصيب ومن لا يقول بذلك لأن القائل بالتصويب لا يريد بذلك أن المجتهد قد أصاب ما في نفس الأمر وما هو الحكم عند الله عزوجل وإنما يريد أن حكمه في المسألة هو الذي كلف به وإن كان خطأ في الواقع ولهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر وإن اجتهد فأصاب فله أجران"، فجعله مصيبا تارة ومخطئا أخرى ولو كان مصيبا دائما لم يصح هذا التقسيم النبوي وبهذا تعرف أن المراد بقول من قال كلا مجتهد مصيب أنه أراد من الصواب الذي لا ينافي الخطأ لا من الإصابة التي تنافيه.
قوله: "ويجوز امتثال ما أمر به" الخ.
أقول: لا وجه لهذا بل يجب امتثال ما أمر به من حد أو غيره ولهذا يقول الله عزوجل: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء: 65] ، فهذه الآية وإن كان الخطاب فيها لرسول الله صلى الله عليه وسلم فالحاكم الذي سيحكم بين المشتجرين بحكم الله يثبت له مثل هذا الحكم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكره الله في هذه الآية هو الحكم بالشريعة الموجودة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والكتاب والسنة موجودان والحكم بهما متيسر لكل من يفهم كلام الله وكلام رسوله ومن هذا قول الله عزوجل: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور: 51] ، والمراد إذا دعوا إلى حكم الله وحكم رسوله فقوله: {أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} يدل على وجوب الامتثال لا على مجرد جوازه والمراد من الامتثال تسليمه نفسه لذلك والرضا به ولا وجه لتعليق الوجوب بأمر الإمام فإن الإمام لا يأمر إلا بما قضى به الشرع فإن خالفه أو أسقط ما أوجبه فليس بإمام بل هو ضال مضل.
قوله: "إلا في قطعي يخالف مذهب الممتثل" الخ.
أقول: وجه هذا ما ورد في الأدلة من أنه: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، وورد: "إنما الطاعة في المعروف" [البخاري "7257"، مسلم "1840"، أحمد "1/94"، أبو داود "2625"، النسائي "7/109"، وورد: "من أمر أن يطيع الله فليطعه ومن أمر أن يعصيه فلا يعصه"، [أحمد "3/67"، ابن ماجة "2863"] ، ولكن لا وجه لاعتبار مذهب الممتثل بل المراد ما هو الحق في الواقع وفي نفس الأمر بدليل الكتاب والسنة وهذه التقييدات وردت مقيدة لطاعة أولي الأمر مع كون الأدلة قد دلت على وجوب طاعتهم كما وردت الأدلة بوجوب امتثال أحكام حكام الشرع فعلى المحكوم عليه بما يخالف ما هو الحق قطعا أو يخالف ما في الواقع وفي نفس الأمر أن يوضح ذلك بغاية ما يقدر عليه فإن أمكنه الفرار فعل ولا ترد عليه الأدلة القاضية بوجوب الامتثال لأنه على يقين بأن الحكم واقع على جهة الغلط ومن شرط عدم جواز الامتثال أن يكون للمحكوم عليه بصيرة يعرف بها الحقيقة لأن من عداه قد يظن الحق باطلا والصواب خطأ لقصور فهمه عن إدراك الحقائق.
قوله: "ولا يلزمان الغير اجتهادهما قبل الحكم".